رحلة اثام بقلم منال سالم
وغليل صدره قد أخذ في التصاعد
طبعا لو كان ده مهاب مكونتش كلمته ربع كلمة...
كز على أسنانه في غيظ ووجهه قد تلون بحمرة الڠضب
مسيرك تعرف قيمتي يا فؤاد بيه!
بعد عدة أيام حيث كانت الشمس ساطعة في سماء بلا سحب والنهار شبه رطب تنعكس آثاره على الوجوه السائرة والكادحة تجاوزت كلتاهما إشارة المرور بعدما انتهتا من التجول في محال السوق الشعبي القريب لتتجها بعدئذ إلى عدة محال مصفوفة على ناصية الطريق حيث تقوم بعرض منتجاتها المخفضة في الواجهات الزجاجية من أجل جذب الزبائن. لم تترك فردوس محلا إلا ودلفت إليه لتتفقد الأحدث وتبتاع المناسب. حملت معظم الحقائب والأكياس عن والدتها واستطردت تخاطبها برنة حماس ظاهرة في صوتها
ڼهرتها والدتها بنظرة صارمة من عينيها قبل نبرتها
يا بت اتلمي بلاش مياصة.
اعترضت بتذمر وهي تواصل مشيها المتمهل
الله! مش هابقى مراته ومن حقي أبقى ست الحسن في عينيه.
أصابت ابنتها
في قولها لذا هزت عقيلة رأسها قليلا وعلقت بشيء من التفهم
بنفس الصوت المتحمس أضافت فردوس مرة أخرى
وأوضة النوم سي بدري قالي هيستلمها الأسبوع الجاي.
على ملامح وجه والدتها ظهر الضيق فعبرت لها عن مخاوفها بصوت شبه مهموم
ربنا يكملها على خير ولو إني مش مستريحة لأقعدتك مع أمه.
سألتها باسترابة
ليه بس دي شكلها طيبة أوي وتتحط على الچرح تطيب.
ربنا يخيب ظني.
بعد برهة وصلت الاثنتان إلى منطقتهما الشعبية قبل أن يتجاوزا رصيف دكان البقال صاح صاحبه مناديا بصوت مرتفع
يا ست أم تهاني تعالي أوام ليكي مكالمة من برا.
أكيد تهاني!
عاودت أدراجها صائحة في ابنتها وهي تهرول باشتياق
مدي أوام يا فردوس.
تركت عقيلة الأكياس عند قدميها وأمسكت بالسماعة لتضعها على أذنها ما إن سمعت صوت ابنتها يأتي من الطرف الآخر حتى لاحقتها بأسئلتها اللهفى المشتاقة إليها
أيوه يا تهاني إزيك يا ضنايا عاملة إيه يا حبيبتي إنتي كويسة ردي عليا وطمنيني.
أنا بخير الحمدلله..
تنفست والدتها الصعداء فأكملت تهاني كلامها
أخباركم إنتو إيه
في التو أجابتها وهي تحتضن السماعة بيديها كأنما تضم صغيرتها
احنا كويسين...
بالكاد منعت نفسها من ذرف العبرات وهي تعاتبها في حنو أمومي صادق
بقى ينفع تغيبي المدة دي كلها من غير ما تسألي على أمك جالك قلب يا تهاني
أتى ردها عاديا للغاية
ومع ذلك ارتضت والدتها بالقليل المحدود منها وأعطتها وافر محبتها بقولها المليء بالتوصيات
خدي بالك من صحتك وكلي كويس واتغطي يا تهاني عشان عضمك يا ضنايا.
تكلمت بإيجاز
حاضر.
كانت ابنتها على وشك إنهاء المكالمة لكنها هتفت تخبرها بتنهيدة متحمسة
بالحق فردوس أختك اتخطبت.
صمتت للحظة وقالت في فتور
مبروك.
صاحت بها عقيلة وهي تنقل السماعة من يدها ليد ابنتها
خدي باركيلها بنفسك.
أمسكت فردوس بسماعة الهاتف ابتسمت تعابيرها بشكل تلقائي حين استطردت مرددة
ألو أيوه ياختي وحشاني يا حبيبتي.
توقعت أن ترد بمودة لكنها فاجأتها عندما خاطبتها بتهكم ساخر للغاية
اتخطبتي بقى لمين عشان أقولك مبروك متقوليش أنا عارفة أكيد يا فران يا ميكانيكي ده إن مكانش آ...
انقلبت سحنتها بشدة فما زالت شقيقتها تسير على نفس النهج من الاحتقار والتقليل من شأنها لتشعرها بأنها غير كاملة مثلها تفتقر لأدنى مقومات الجمال الموجودة في الأنثى بصعوبة كتمت حنقها منها وهتفت مقاطعة إياها وهي تضع ابتسامة مزيفة على محياها
الله يبارك فيكي أنا مش سمعاكي الصوت بيقطع.
ثم أغلقت السماعة في وجهها لتدعي بعبوس
الخط قطع يامه.
اكفهر وجه عقيلة وقالت باستياء
يا خسارة ملحقناش نتكلم مع أختك.
انحنت فردوس لتحمل الأكياس والحقائب لتقول بغير مبالاة وقد بدأت بالتحرك خارج دكان البقالة
تبقى تطلبنا تاني بقى لما تفضى.
بعض المشاعر لا يمكن السيطرة عليها بسهولة خاصة حينما تتعلق بتقدير الذات والإعلاء من شأنها هذه النزعة الغرورية التي تمتلكها كانت تتأثر بسوء اختيارات من حولها من أهلها ومهما حاولت التغاضي عن تصرفاتهم غير المقبولة تعود مشاعر الضيق والنفور لتستبد بها. بتعابير تبدو منزعجة ونظرات حانقة خرجت تهاني من مركز الاتصالات القريب من مقر عملها لتسير عائدة إليه في خطوات شبه متعجلة. لم تخف حدة الضيق من على تقاسيمها وهي لا تزال تحادث نفسها
غبية! مش عاملة لنفسها قيمة خالص.
ولجت لداخل استقبال المشفى واتجهت صاعدة على سلم الدرج وهي تتكلم
بتبرم ناقم
والله لو جالها شحات لهتوافق هو أنا مش عارفاها.
أمسكت بالدرابزين وتابعت حديث نفسها بتأفف أكبر
وطبعا أنا مش محتاجة أخمن هتعيش فين ولا مع مين.
سارت في الرواق متجهة إلى الغرفة الخاصة بالمتدربين وهي تقول بازدراء
هي ماتستهلش إلا كده ټدفن نفسها بالحيا عكرت مزاجي على الصبح.
مسحت على مقدمة شعرها لتسوي ما نفر من خصلاتها ثم ضيقت ناظريها حين رأت باقة ضخمة من الورد الأحمر تحتل مكتبها تحسست البتلات الزاهية بنعومة وتساءلت في إعجاب واضح
الله لمين الورد ده
أجابت عليها إحدى المتواجدات معها بالحجرة بابتسامة ماكرة
ليكي.
قطبت جبينها مندهشة قبل أن ترد
معقولة ليا أنا
تساءلت بصوت شبه مسموع وهي تفتش عن ورقة تدل على هوية مرسله
وده من مين يا ترى
وجدت ضالتها بالأسفل فأمسكت بالورقة الصغيرة بإصبعيها رفعتها إلى مستوى بصرها لتقرأ بلا صوت ما كتب فيها
صباح مشرق بلون الحياة معك.
دهشة أكبر سيطرت عليها حين قرأت اسم صاحبها فهزت هامسة
ممدوح!
تبدلت تعبيراتها المتجهمة وصارت أكثر ارتخاء وسرورا. أطلقت تنهيدة بطيئة من صدرها لتهمهم في حبور وقد تألقت في عينيها نظرة متحمسة
ده ذوق خالص.
أحست تهاني بالانتشاء والرضا عن حالها وهي تستشعر مدى لهفة الاثنين عليها وتحديدا ذوي السلطة والمال والكلمة المسموعة. زاد غرورها بداخلها وإحساسها المنتشي عندما التفتت بتمهل لتجد مهاب واقفا على عتبة الغرفة صدمها رؤيته وتداركت نفسها لتتطلع إليه باستغراب فدنا منها ملقيا عليها التحية
صباح الخير.
تقدمت ناحيته بثبات وقالت وهي تضم باقة الورد إلى صدرها عن عمد لتثير اهتمامه
صباح النور يا د. مهاب.
حدث ما دبرت له لحظتها فسألها وعيناه تطوفان بفضول على ما معها
أخبارك إيه
أجابته بابتسامة رقيقة
الحمدلله.
استطرد مشيرا بنظراته للباقة الملفتة
شيك أوي الورد ده.
دار في خلدها أن تستغل الأمر لصالحها أن تشعره بالغيرة تستفز مشاعره الذكورية تجاه منافس آخر يحاول كسب ودها ربما قد يحسن ذلك من فرصتها مع أحدهما وإن كانت كفة الميزان ترجح ميلها لجهة مهاب ورغم هذا أبقت الأمر في وضع المساومة حتى اللحظة الأخيرة. حافظت على نقاء بسمتها وقالت بدلال خبيث وهي تسبل عينيها
من دكتور ممدوح.
مط فمه للحظة وعلق بفتور
حلو.
تابعت قائلة بمكر الثعالب
الصراحة ذوقه جميل.
هز رأسه مرددا
معاكي حق.
مجددا قربت الباقة من أنفها لټشتم رائحة الورود واختلست النظرات إليه فلمحت على وجهه المسترخي القليل من الانزعاج فابتسمت في زهو وقد نجحت خطتها الساذجة لاحظت كذلك نظرته العابرة من فوق كتفها لمن تتواجد معها بالحجرة قبل أن يحيد ببصره عنها مستأذنا بصوت شبه منخفض
ممكن نتكلم برا شوية
أسندت الباقة على مكتبها وهي ترد
أكيد طبعا.
تحركت بخفة للخارج لتلحق به لكن دقات قلبها المتحمس راحت تدق في سرعة وجدته ينتظرها على مسافة عدة أمتار فأشار لها بيده لتأتي إليه وبعدها استأنفا المشي معا في الردهة توقف فجأة ليسألها وهو ينظر في عينيها
إيه رأيك لو سافرتي معايا المؤتمر اللي جاي
باغتها بعرضه المغري فزوت ما بين حاجبيها مرددة في استغراب مصډوم
مؤتمر!!!
أخبرها موضحا وكأنه يستحثها على عدم الرفض
أيوه دي فرصة تكتسبي خبرة وتعرفي الجديد في عالم الطب والبحث العلمي.
انعكس التردد على تعابيرها وأفصحت عنه عندما تعللت باعتذار لبق
مش هاينفع أنا عندي محاضرات وآ...
قاطعها بإصرار وهو يرمقها بنظرة واثقة مملوءة بالغموض المثير
متقلقيش أنا هظبطلك كل حاجة إنتي معاكي مهاب الجندي.
عضت على شفتها السفلى في خجل مصطنع وأطرقت رأسها قليلا لتبدو وكأنها تستحي منه فألح عليها بصوته الهادئ
أنا حقيقي نفسي تكوني معايا المرادي.
كانت على وشك النطق بشيء لكنه عارضها بقدر من التحكممش
حاضر.
نظر في ساعة يده وأخبرها
عندي دلوقتي عملية نتقابل بعدين عشان نتكلم في التفاصيل.
دون أن تخبت ابتسامتها قالت
ماشي.
شيعته بنظراتها اللامعة ولوحت له بيدها وهو ينصرف مبتعدا عنها لترتكن بعدئذ بظهرها للحائط وهي تخاطب نفسها في صوت مهموس حالم للغاية
شكل الدنيا ضحكتلك يا تهاني.
مرة أخرى حررت تنهيدة عميقة من صدرها لتردد في نبرة متمنية
بكرة تقولي للفقر والقحط مع السلامة.
همت بالعودة إلى حجرتها لكن استوقفتها واحدة لم تتوقع أبدا ظهورها هنا اتسعت عيناها
ابتهال!
وضعت الأخيرة ابتسامة عريضة على وجهها قد تصل من الأذن للأخرى وسألتها وهي تهز رأسها للجانبين في مرح غريب
إيه رأيك في المفاجأة دي
في التو تجهمت ملامحها واختفت الإشراقة الناعمة من على محياها كانت متيقنة أنها لن تتركها لحالها
حتما ستغرقها بالأسئلة المتطفلة لتستعلم عما لا يخصها بفضول مثير للحنق سرعان ما تابعت السير بتعجل وهي متلفحة بالصمت. لحقتها ابتهال شبه راكضة وهي تصيح مسترسلة في الكلام
أنا خلصت بدري قولت أفوت عليكي أشوف بتعملي إيه!
ثم لكزتها في جانب ذراعها وهي تردد بلؤم
أومال مين الشاب الحليوة ده
توقفت تهاني مرة واحدة بعد جملتها الموحية وحدجتها بنظرة قاسېة محتجة على تصرفها الغليظ المتدخل في شئونها زفرت الهواء بعمق قبل أن تجيب على سؤالها بآخر مراوغ وبصوتها لمحة استنكار
شاب مين
راحت تصف مظهره الجسماني مستخدمة يديها في التوضيح
أبو شعر مسبسب واللي طوله جايب السقف وكتافه عريضة ده أنا حتى معرفتش أشوفك منه.
نفخت عاليا وأجابتها وقد فهمت من تقصد بكلامها المتواري
ده الدكتور مهاب رئيس قسم الجراحة.
التمعت عيناها بقدر من الحسد ومالت عليها لتقول بغمزة خاطفة
يا وعدي مسئول القسم بذات نفسه.
ثم اعتدلت في وقفتها وصفقت بيديها في غبطة وهي تخبرها
بيضالك في القفص يا توتو!
دفعتها من كتفها لتمر وهي تغمغم في صبر شبه نافد
استغفر الله العظيم بلاش نبر الله يكرمك ده مجرد زميل هتألفي حوار من غير ما يكون في حاجة أصلا!
ضحكت من خلفها وقالت بسماجة
هي بتبدأ بكده.
أطبقت على جفنيها للحظة قبل أن تهمس في حنق مزعوج
خلصني يا رب منها.
لازمتها ابتهال معظم الوقت محاولة اكتشاف ما تفعله في هذا المشفى الضخم بالإضافة لفرض نفسها على الآخرين وكأنها تعتقد بذلك أنها ذات قدرة فائقة على صنع الصداقات من العدم رغم تحفظ المعظم في التعامل معها.
على عكس ما تخيلت صار كل شيء سلسا منظما وبدون أدنى متاعب لتجد نفسها بعد عدة أيام تستقل الطائرة إلى جوار مهاب الجندي تلبية لدعوته المميزة لحضور هذا المؤتمر الطبي المقام في إحدى الدول الأوربية. كانت هذه زيارتها الأولى لبلد كهذا فتحمست كثيرا ولم