السبت 23 نوفمبر 2024

رحلة اثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 14 من 79 صفحات

موقع أيام نيوز


وراح الفزع يتولاها من كل جانب كأن هناك هجوما ضاريا على أعصابها دفعة واحدة عندما صاح في عتاب حانق
ما إنتي شوفتي بنفسك إنها مش قادرة تقف عاوزاني أعمل إيه وهي ست كبيرة أقف اتفرج عليها لحد ما تقع من طولها
انحشر صوتها وهي ترد بنبرة مهتزة
لأ بس آ...
مرة ثانية قاطعها رافعا يده أمام وجهها ليهددها
من غير بسبسة اللي حصل حصل خلاص من هنا ورايح تاخدي بالك من تصرفاتك سامعة وإلا هتلاقي الرد مايعجبكيش!!

تحول نظرها عنه وراحت تلوم نفسها بشدة لأنها انساقت وراء خالتها ولم تضع في الحسبان أنها بذلك تحزن زوجها. ودت لو عاد بها الزمن للوراء واكتفت بالسير صامتة لربما آنئذ نالت رضائه وكلمة حنونة منه!
كانت تشعر بنوع من الغنج والدلال وهي تنتقي بين ماركات الأحذية ما يناسب مقاس قدميها بدت وكأنها في عالم من سحر الموضة المشوق لحظات لا تعوض عاشت كل ثانية فيها بنشوة عارمة دارت حول نفسها وهي لا تصدق حقا أنها ترتاد أحد أهم متاجر بيع الأحذية. بعد حين من التجارب وجدت واحدة ملائمة لها رغم تحيرها في حسم اختياراتها فكل ما وقعت عليه عينيها كان رائعا للغاية. تجولت في تبختر أمام ناظري مهاب وهو جالس على الأريكة ثم رفعت قدمها قليلا عن الأرضية لتبرز شكل الحذاء في قدمها وهي تهتف بابتسامة لهفى
تحفة أوي ومريحة جدا.
قال وهو يبادلها الابتسام الهادئ
المهم إنها عجبتك.
بعدئذ أشار للعاملة في المتجر لتأتي له بالفاتورة فاستجابت له في التو. انتظرت تهاني ذهابها وتقدمت ناحيته ثم جلست على حافة الأريكة الوثيرة وراحت تتحسس ملمس الجلد الثمين بيدها لترفع نظرها إليه مضيفة بقليل من الحرج
بصراحة دي أول مرة ألبس حاجة زي كده في حياتي...
للحظة تحسرت على حياتها البائسة التي جعلتها محرومة تقريبا من رفاهية الدنيا ومتعها المغرية قامت واقفة وتابعت وهي تتطلع إليه بتعبير واجم لتقنعه بأنها غير راضية عن هذا الموقف المخجل بتاتا
بس أكيد غالية وصعب إني آ...
قاطعها قبل أن تتم جملتها قائلا وقد فهم ما ترمي إليه
ماتغلاش عليكي.
حفظا لماء الوجه حاولت أن تقول بعزة نفس
أنا هرد لحضرتك تمنها.
نهض قائما ودنا منها مرددا في عتاب رقيق
عيب الكلام ده يا دكتورة دي هدية بسيطة مني ليكي وهي مش من مقامك أصلا.
أصرت على رأيها هاتفة 
بس كده كتير وآ..
وإيه يعني دي مش هتكون آخر مرة أهاديكي بحاجة.
لاحظت تحول نظراته عنها وأتبعها ذلك قوله المريب
لحظة واحدة!
تحرك مبتعدا عنها نحو موضع ما خلفها فالتفتت تتابعه بتحير وجدته يسحب واحدا من الإيشاربات المزركشة من على حامل معدني بعد تدقيق سريع استدار عائدا إليها ثم فرده في الهواء بين يديه 
ده كمان هيبقى شكله تحفة عليكي.
إنتي جميلة أوي.
كاد ينجح في إغوائها لتقبله لكنها صدت محاولاته في اللحظة الأخيرة بإبعاد وجهها ودفعه برفق من صدره وهي تخاطبه في لهجة اتخذت شكلا رسميا رغم خفوتها
د. مهاب! من فضلك!
هو المطعم
قريب من هنا
دس يده في جيب بنطاله وأجاب
أيوه.
أبقت على ابتسامتها الرقيقة وهي تسأله
طب مش هنروح ولا إيه
أشار لها بيده الأخرى الطليقة لتخرج قائلا
اتفضلي.
هزت رأسها مرددة بإيجاز دون أن تخبت بسمتها
شكرا.
ما زالت لمعة الانبهار تحتل نظراتها كلما زارت مكانا جديدا أو استمتعت بشيء لم تجربه سابقا. تذوقت تهاني أشهى أنواع الطعام واستطابت ما تناولته من وجبة مميزة بهذا المطعم الراقي لم تشعر بالوقت يمضي وهي بصحبة مضيفها بل إنها استأنست كثيرا بوجوده وشعرت بتناغم غير طبيعي معه ورغم تحفظها الواضح على معاقرته للشراب إلا أنها لم تظهر اعتراضا متحيزا ضده على الأقل ريثما تتوطد علاقتهما بشكل أقوى أو أن تتخذ طابعا رسميا وإلا لضاعت جهودها سدى.
أمام ردهة باب غرفتها بالفندق وقفت تصافحه وهي تبدي عرفانها بما قدمه لها طوال اليوم 
ميرسي على اليوم الظريف ده أنا مكونتش متخيلة إني هستمتع كده.
بلطافة موحية ما زال باقيا عليها قال وهو يحتضن كفها براحتيه
ده بس لأنك موجودة معايا...
حاولت استعادة يدها وسحبها من بين قبضتيه لكنه رفض تركها وتابع بتنهيدة ثقيلة مغلفة برغبة متأججة
ونفسي تفضلي كده.
تقدم منها فتراجعت بشكل تلقائي للخلف إلى أن حاصرها بين جسده والباب الخشبي فاضطربت وتلبكت وتوترت للغاية من محاولته المكشوفة للتودد إليها بشكل حميمي قاومته قدر استطاعتها وهتفت تناديه بشيء من الذعر
دكتور مهاب!
مش قادر أمنع نفسي!
توسلته بارتعاش
أرجوك...
تجاوزت عن ندائها المستجدي لعقلانيته شبه المغيبة اضطرت أن تلجأ للجفاء معه لئلا ټندم لاحقا على تراخيها لذا جاء في باقي جملتها قدرا من الټهديد عندما تابعت
أبعد رأسه عنها ونظر إليها بغموض مريب دون أن ينطق بكلمة ومع ذلك تمسكت بصمودها وإن كان مهددا للخروج من جنة دنياه الثرية بكل ما تشتهيه النفس دفعت للخلف قائلة بصوت جامد
تصبح على خير.
تراجع مسافة متر ملوحا لها بيده قبل أن يرد بهدوء غريب
وإنتي من أهله!
لم تنظر تجاهه وأسرعت بفتح الباب لتدلف إلى الداخل وهي بالكاد تحاول السيطرة على رعشة أطرافها أوصدته مستندة بظهرها عليه محاولة استعادة انضباط حالها المتخبط حذرت نفسها بصوت العقل
اجمدي كده يا تهاني لو خدك للسكة دي هتبقي خسړتي كل حاجة قبل ما تملكيها من الأساس!
سحبت نفسا عميقا لتعيد الهدوء إلى أوصالها ثم تابعت مع نفسها وكأنها تعطيها تحذيرا شديد اللهجة
لم يطرأ على بالها العشق أو حتى اشتهاء متعته الشقية إلا حينما أصبحت تحت وطأة ضغوطات حميميته المخيفة راحت تكرر على مسامعها نفس العبارات المحذرة لتردع ما يناوش مشاعرها كأنثى من تقارب وتجاذب قبل أن يتفاقم الأمر وتعجز عن كبح جموحه ففي الحب تعمى الأبصار عن رؤية العيوب كما يحجب المنطق ويسلب من أذكى العقول. 
قالت ديبرا بهذه العبارة المندهشة وهي تستقبل في غرفتها بالفندق ضيفها المشتعل برغباته والمدفوع بجوعه العاطفي بعدما لعبت الخمر برأسه وجعلته يصل إلى ذروة اتقاد حواسه. اندفع إلى الداخل وهو يقبض عليها من منبت ذراعها بيده بعدما صفق الباب بقدمه قادها للأمام في لهفة متزايدة لتحاول مجاراته وهو ينهال عليها بقبلات نهمة ومتعطشة للمزيد. طرحها على الفراش بعدما استل ثوبها القصير لتصبح كقطعة حلوى شهية جاهزة لأكلها تمدد فوقها مدمدما بلهاث متلاحق
أرغب بك بشدة.
تعجبت من ثورة مشاعره الحسية وفورانها بهذه الطريقة الغريبة وخاطبته بميوعة وهي تحتضن وجهه بيديها 
تريث قليلا عزيزي ما زال أمامنا الليل بأسره.
لا أستطيع.
قبل أن ينحني مجددا على ناهلا منهما قدر ما يستطيع من حلوها شعر بها ټقاومه وهو يعيث فيما تملك من مقوماتها المغرية فرفع نظره إليه ليجدها تحتج في تذمر متدلل
أنت تؤلمني!
اعتلى وجهه هذه الابتسامة الخطېرة الواثقة لتتوهج بعدها عينيه بوميض مستثار وهو يسألها ليتأكد
ألا تفتقدين تقاربنا
أطلقت ضحكة ماجنة وتقلبت على
جانبها لتبدو أكثر إغواء وهي تخبره بعد لحظة من الصمت
ممم حسنا أنا أعطيك الأفضلية عن ممدوح في إيقاظ مشاعر الحب بي.
على حين غرة تحول لقطعة من الجليد بعد إفسادها للحظة التجلي هذه بعقد تلك المقارنة السقيمة بينهما لتذكره بأن رفيقه كان ولا يزال يناطحه فيما يجيد فعله مع النساء بتفرد ومجون وكأنه مفسد متعته الاستثنائية التي ينتشي بها فقد فجأة روح الشغف والاشتياق لتمضية لحظات عاصفة چنونية وغير منضبطة بشروط معها. نظرت له ديبرا باندهاش وهي تتساءل بوجه يضم علامات الحيرة
لماذا توقفت
حل وثاق يديها قائلا بجفاء مريب قبل أن يستقيم واقفا
لم أعد أريد.
ما الذي حدث فيما أخطأت عزيزي مهاب
وقف أمام المرآة يهندم ثيابه التي تبعثرت ثم وضع راب في صوت ناعم
ألست أنا من تهوى الجموح معها
أطبق على شفتيه رافضا قول أي شيء نبذها بنظرات قاسېة جعلتها تستهجن هذه المعاملة الجافة منه لوح لها بيده كنوع من التوديع لها فصاحت من ورائه تناديه بضيق
مهاب انتظر.
يتبع الفصل السابع
الفصل السابع
القناع
الصباح كان مختلفا بالنسبة لها رغم ما امتلأ به ليلها من تفكير مجهد أفرطت على غير عادتها في تأنقها وارتدت زيا رسميا من قطعتين بدا أشبه بما ترتديه مضيفات الطيران من سترة وتنورة باللون البترولي كانت ياقة السترة تلامس منبت

اعتدلت بعدئذ واقفة ومشطت شعرها قبل أن تعقصه في كعكة مشدودة. مرة أخرى ألقت نظرة متأملة لهيئتها النهائية في تسريحة المرآة لتمسك بأحمر الشفاه وتضيف مسحة رقيقة على ثغرها لم تنس كذلك إفراطها في نثر العطر الأنثوي على كامل ثيابها لتتحرك بعدها تجاه الفراش جلست على طرفه وانحنت واضعة الحذاء الجديد في قدميها أغمضت عينيها للحظة لتتنعم بإحساس الراحة وهو يغلف كيانها.
ابتسمت في رضا عن حالها ثم نهضت ساحبة معها المعطف الأسود لم تقم بارتدائه على الفور بل طرحته على ذراعها لتتأكد أولا من رؤية مهاب لها في هذا المظهر الأنيق قبل أن تتوارى خلف الداكن من الثياب بلغت المصعد وهبطت به للاستقبال. عندئذ تعمدت التبختر في مشيتها لكنها في نفس الآن رفعت رأسها للأعلى في إباء وزهو. أبقت على ملامحها هادئة حينما أبصرته ينهض من على الأريكة للترحيب بها رغم الاضطراب الذي عصف بوجدانه دفعة واحدة بالكاد ضبطت حالها وتشبثت بجمودها الزائف لتبدي انزعاجا مصطنعا ومنتقدا لسلوكه المتجاوز معها بالأمس. وقفت قبالته وابتسمت ابتسامة صغيرة متكلفة وهو يستطرد 
صباح الخير دكتورة تهاني.
كما عهدته وجدته يرتدي حلته الرسمية ذات اللون الرمادي ومن فوقها هذا المعطف الأسود الثقيل. هزت رأسها بإيماءة صغيرة وردت في إيجاز
صباح النور.
باقتضابها المتعمد في الحديث أرادت إشعاره بالذنب وبإثبات اختلافها عن الأخريات اللاتي قد يبدين ردة فعل مناقضة لها أو حتى متساهلة لعلها تنجح في التأثير عليه بشكل غير مباشر حين يجدها تعامله بجفاء ورسمية فلا يظن أن ما حدث يمكن تكراره ببساطة ودون ردة فعل رافضة. كان يضع يده في جيب بنطاله وهو يخاطبها برنة هدوء مسيطرة على صوته
في البداية أنا عاوز أعتذرلك عن سخافة إمبارح.
تأهبت حواسها لما أبداه من اعتذار مفاجئ لم تضع في الحسبان أن يظهر ندمه بهذا الشكل السريع فقد ظنت أنه سيتغاضى عما حدث ويواريه بالحديث عن أشياء أخرى جانبية. نظرت له بعينين مدهوشتين وهو يسترسل بتعابير منزعجة وبنبرة نادمة ومؤكدة
للأسف أنا عديت حدود الأدب معاكي وده شيء مضايقني جدا ومخليني مش راضي عن نفسي نهائي.
ظلت على دهشتها الغريبة لعدة ثوان لا تصدق ما حدث للتو بينما أطرق مهاب رأسه قليلا ليبدو مقنعا قبل أن يضيف بصوت تحول للنعومة
إنتي إنسانة غالية عاملة زي الياقوت النادر صعب الواحد مايتأثرش بيكي.
سقط القناع الواهي الذي اختبأت خلفه وطفا على وجهها التخبط والارتباك امتدت يده لتمسك بكفها رفعه إلى فمه ليطبع قبلة صغيرة عليه ثم نظر إليها وهو محڼي قليلا ليردد مرة ثانية وهو يرسم هذه الابتسامة الصغيرة الماكرة
بكرر اعتذاري ليكي
 

13  14  15 

انت في الصفحة 14 من 79 صفحات