الأحد 24 نوفمبر 2024

رحلة اثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 16 من 79 صفحات

موقع أيام نيوز


وقت ليس بقليل حتى ظنوا جميعا أنه لن يحدث حدق فيه مدهوشا للحظات ثم قطب جبينه وسأله مستنكرا وبعض الضيق يكسو وجهه
إنت بتكلم جد برضوه عملتها!!
أكد عليه وهو يرفع كذلك المغلف
ڼصب عينيه
ده ربنا اللي أراد.
تطلع عوض إلى ما في يده بحاجبين معقودين بينما استمر شقيقه في الاسترسال ليعلمه وهو عاقد العزم على تنفيذ ما طمح فيه بشدة بماض ليس ببعيد عنهما

ده أنا حتى كنت نسيت الحكاية دي من ساعة ما وصيت الزبون إياه إنه يشوفلي سكة لبرا وزي ما إنت عارف لا كان في حس ولا خبر منه بس طلع أصيل وحطني على أول الطريق.
بدا شقيقه الأكبر غير راض عن حماسه الظاهر للإقدام على هذه الخطوة الفارقة وسأله في عبوس
وإنت يعني لازما تسافر ما تفضك من الحكاية دي.
أصر على قراره هاتفا بعناد وأصابعه تزداد تشبثا على المغلف
لأ مش هيحصل دي فرصة أجرب حظي في حتة جديدة أجيب بيها قرش زيادة بدل العيشة الصعب اللي بقينا فيها.
سكت وحك جبينه للحظة ثم تشجع ليسأله باهتمام تخالطه الحيرة
طب ومراتك ناوي تعمل معاها إيه
امتقعت تعابيره وصار متجهما للغاية ففهم نواياه دون الحاجة للبوح بها ومع ذلك بادر بالقول عنه كأنما يسمعه ما يدور في رأسه
شكلك مش عامل حسابك عليها تبقى معاك صح كلامي
لوى ثغره ليتكلم في حدة طفيفة
هاخدها أبهدلها معايا أنا محتاج أظبط وضعي الأول وبعد كده أشوف هاخدها إزاي!
كان رده منطقيا مقنعا وليس محلا للنقاش بحث عن شيء آخر ليقوله لعل وعسى يثنيه عن رأيه لكنه لم يجد لذا ثبت عينيه عليه قائلا في استسلام
ربنا يصلح حالك.
شكره لدعمه الظاهري وهتف بتحمس أكبر
هروح أفرح أمي وأبشرها.
كان يعلم أنه لا يحق له التدخل في شأنه ومع ذلك نصحه في نوع من اللين 
وماله بس ماتنساش مراتك هي ليها حق عليك.
تحولت نظراته بعيدا عنه وقال بغير مبالاة وقد هم بالسير
ربنا يسهل!
شيعه عوض بنظرة آسفة قبل أن يردد في يقين كبير
شكلك هتظلمها معاك يا أخويا.
خيل إليها أنها أصبحت تملك كنوز الأرض الثمينة بعدما أطلعها ابنها على الأنباء السارة. ابتهجت أساريرها وأضاءت عيناها بكل معاني الفرحة والسرور ورغم أنها لا تعرف القراءة أو الكتابة إلا أنها ظلت تتحسس الأوراق بأطراف أصابعها وكأنها تستشعر نشوة الظفر بهذه الأختام الرسمية. ضاقت حدقتاها فجأة وراحت تشدد مجددا على ابنها وهي تعيد وضع الأوراق في المغلف الأصفر 
اسمع كلامي متقولش لحد إلا على آخر وقت إنت ممكن تتحسد فيها والعين وحشة.
هز رأسه في طاعة وسألها
طب وفردوس
أبدت تعبيرا ناقما ومشمئزا من سيرتها فحذرته بلهجة صارمة
دي بالذات قبلها بيومين ده كفاية خالتها وأرها!
لم يعارض ما تمليه عليه لكنه تكلم في صيغة متسائلة كما لو كان يستفهم منها
بس جوازي منها كده هأجله!!
ردت بامتعاض ونظرة ساخطة تطل من عينيها
مافيهاش حاجة لما تستنى كام شهر هي متسربعة على إيه
فرك مؤخرة عنقه في تحير معكوس على وجهه فمالت عليه والدته تخبره بهذه الابتسامة المتسعة
ركز إنت في باب الرزق اللي ربنا فتحهولك ده وسيبك من أي حاجة تانية.
قال صاغرا دون تفكير
حاضر يامه.
استحسنت قدرتها على استمالة رأسه ودفعه لتنفيذ ما ترغب فيه بلا مجهود وراحت تستحثه على السعي وراء أحلامه بتلهف يفوقه غير مبالية إطلاقا بمن دونه. 
العودة إلى أرض الواقع بعد لحظات من تذوق نعيم الجنة كان محبطا لها تمنت تهاني لو استمرت فاعليات هذا المؤتمر لأيام أكثر ورغم الأسلوب الجاد الذي بات عليه مهاب في التعامل إلا أنها لم تمانع البقاء بقربه لكن لكل شيء نهاية. أوصلها إلى مسكنها وودعها بابتسامة صغيرة فتركته وصعدت وهي منهكة من كم المجهود الذي بذلته طوال الساعات الماضية. 
كالعلقة التي تلتصق بظهر
فريستها لتمتص منها الډماء بشراهة لاحقتها ابتهال بإلحاح مغيظ منذ اللحظة التي ولجت بها إلى الداخل أخذت تفحصها من رأسها لأخمص قدميها بتدقيق عجيب لتتأمل هذا التغيير الملحوظ الذي صارت عليه سألتها بسماجة وهي تمسح بيدها على ثوبها البنفسجي الجديد والذي كانت ترتديه حين استقلت الطائرة مع مهاب عائدة إلى هنا
إيش إيش إيه الحاجات الحلوة دي 
تجاهلتها كالعادة وتركتها تثرثر فسمعتها تقول من خلفها وهي تضع حقيبتها أرضا بجوار فراشها
ده احنا اتغيرنا ولبسنا اللي على الحبل وزيادة.
حينئذ صاحت بها بصبر نافد على الأخير وبنبرة محتدة
ابتهال أنا راجعة من السفر تعبانة ممكن تسبيني أرتاح
لم تعبأ بصړاخها ولا بضيقها الظاهر بل أصرت على البقاء لصيقة بها فأخبرتها بلزاجة لا تطاق
ده أنا هطق من الأعدة لوحدي ليل نهار وربنا ده إنتي كنتي واخدة بحسي.
فما كان من تهاني إلا أن فقدت هدوئها واندفعت تجاهها في عصبية لتقوم بدفعها دفعا إلى خارج الغرفة وهي تهتف بحمئة
أنا مش ناقصة صداع.
ما إن أخرجتها حتى صفقت الباب في وجهها ووصدته بالمفتاح لتضمن عدم اقتحامها للغرفة مجددا ومع ذلك سمعتها تصيح من الخارج ببرود مستثير للأعصاب
براحتك أنا هعذرك بس عشانك تعبانة ولسه راجعة بس اعملي حسابك مش هسيبك إلا لما أعرف كل حاجة بتفاصيل التفاصيل.
نفخت تهاني في سأم شديد ورددت وهي تسير عائدة إلى فراشها
هو في كده بني آدمة رهيبة!!!!
كان إرهاق السفر متمكنا من بدنها فلم تستغرق وقتا في الانخراط في سبات عميق تسلل فيها شخصه إلى أحلامها الطامعة بحياة هانئة مليئة بالراحة والثراء الثراء الفاحش!
أطلقت تنهيدة ارتياح كبيرة عندما نجحت في الإفلات من قبضة هذه السقيمة المتطفلة قبل أن تعترض طريقها نهارا وتحاصرها بأسئلتها التحقيقية المزعجة. انطلقت إلى المشفى بسيارة أرسلها إليها مهاب لتقلها رافضة حضور أي من محاضرات اليوم دون أن تلقاه أولا وكأن رؤيته قد باتت إدمانا لها.
بلغت سعادتها عنان السماء عندما وجدته في انتظارها بمكتبها ألقت عليه التحية وأبدت سعادة غير عادية لمقابلته لكنه تعامل معها بجمود غريب واستطرد متحدثا بشيء من الجدية الباعثة على القلق والريبة
أنا مش هطول كتير...
سألته بتوجس وقد اختفت النضارة من على بشرتها
خير في حاجة
أبقى عينيه عليها ثابتة وهو يجيبها بهدوء
أنا كنت جاي أبلغك إني هرجع مصر كام يوم.
انقبض صدرها وتوتر قلبها فسألته باضطراب متصاعد
ليه في حاجة حصلت
صمت للحظة ونكس رأسه في حزن قبل أن يجاوبها
والدي تعبان شوية ولازم أسافر أطمن عليه بنفسي.
في التو قالت كنوع من الدعم المعنوي له
ألف سلامة إن شاءالله ماتكونش حاجة خطېرة.
عقب بغموض مقتضب
هيبان.
حاولت استطالة الحديث معه بعدما رأت كيف استبد به الهم
متقلقش يا دكتور مهاب ومن فضلك طمني أول بأول.
هز رأسه بإيماءة صغيرة وأردف مودعا إياها دون قول المزيد
أكيد أشوفك على خير.
أحست بغصة مريرة تعلق في حلقها فراحت تردد بصعوبة وهذا الشعور الخانق يزداد ضغطا على صدرها
مع السلامة.
انقلبت سحنتها وتعكر مزاجها لرحيله وكأن قناع الثبات التي كانت تختفي خلفه قد سقط عن وجهها شعرت مع ذهابه بفراغ كبير يحتلها بوجود شيء موحش يجثم على روحها حتى أنها استنكرت ما أصابها لمجرد التفكير في تأثير غيابه عليها. لم تقو ساقاها على حملها فارتعشت وهي تسير عائدة إلى مكتبها لترتمي على المقعد وهي شاحبة الملامح متسائلة في صوت يعبر عن تكدرها
أنا إيه اللي حسا بيه ده!! 
بذلت جهدا كبيرا لتركز في استذكار ما فاتها من محاضرات ومع هذا عجزت عن قراءة سطر واحد من الورقة المطروحة أمام عينيها
لساعات كان بالها مشغولا تفكيرها مشوشا فاكتفت بالنظر إلى ما لا تراه بين السطور لتختبئ خلف ستار الصمت والهدوء الزائفين لعل وعسى عقلها يكف عن السؤال عنه فقد مر ما يقرب من أسبوع وهو غائب عنها لا تعرف عنه أي شيء حاولت التوصل إلى أي معلومة تفيدها بشأن مرض والده لكنها لم تصل لشيء كل الطرق مسدودة.

رفعت رأسها فجأة وحولتها تجاه الباب عندما تكلم أحدهم بلهجة مرحة مٹيرة للانتباه
أنا أكيد حظي حلو عشان ألاقي هنا.
استغربت تهاني لقدوم ممدوح إلى هنا ونهضت قائمة لترحب به بودية متكلفة
اتفضل يا دكتور.
لم يكن بحاجة إلى أي دعوة ليجلس فقد تقدم من تلقاء نفسه تجاه مكتبها واستقر على المقعد الشاغر أمامها نظر إليها ملء عينيه متسائلا في اهتمام وابتسام
إيه الأخبار معاكي وراكي شغل ولا حاجة
أجابت نافية
لأ كنت بذاكر شوية اللي فاتني.
هز رأسه في تفهم ليتابع بنظرات قوية مدققة مسلطة عليها
مالك يا دكتورة حاسك زعلانة من حاجة...
وقبل أن تفكر في الإحجام عن الرد استأذنها بلباقة ترفع عنه الحرج
تسمحيلي أعرف ده لو مكانش يضايقك أو فيه تدخل مني!
كانت بحاجة للتنفيس عما يجيش في صدرها من كبت وضيق فتكلمت على مهل كما لو كانت تستخلص الكلمات بصعوبة لتعبر عن حالها
لأ بالعكس..
سكتت لهنيهة في تردد قلق سرعان ما تغلبت عليه لتستأنف حديثها إليه وكأنها تحاول الاستئناس بالتحاور معه
أنا أصلي قلقانة شوية على والد دكتور مهاب كان قالي إنه تعبان وهو سافر يطمن عليه.
راقبها ممدوح بلا تعقيب لكن نظراته تبدلت لشيء آخر غامض بينما اندفعت زفرة طويلة من جوفها وهي تكمل
ولحد دلوقتي مش عارفة حاجة عنه.
مرة ثانية سألته وهي ترى ذلك التعبير المبهم الذي استحوذ على كامل ملامحه
هو كلمك
اختصر جوابه قائلا
لسه...
انتابتها الهواجس فاضطربت قسماتها وتوترت نظراتها لذا أخبرها مشيرا بيده ليثبط من المشاعر السلبية التي استحوذت عليها
اطمني لو كان في خبر وحش كنا عرفناه الحاجات دي مابتستخباش.
أراحها رأيه قليلا فحركت رأسها بهزة خفيفة وهي تغمغم
ربنا يعديها على خير...
أغلقت دفتر الأوراق المفتوح أمامها ونهضت قائلة في إحباط يمتزج بالحزن
أنا مش قادرة أركز أكتر من كده.
قام بدوره وخاطبها بتفهم
مافيش داعي ترهقي نفسك.
دست ما لديها في حقيبتها المتسعة تأهبا لانصرافها لكنه اعترض طريقها مقترحا بحماس
تعرفي إنتي محتاجة تغيري جو تشوفي حاجة جديدة تجدد نشاطك.
كانت فاقدة للشغف فعلقت حقيبتها على كتفها وتمتمت بغير اهتمام
ماليش مزاج أعمل حاجة.
ألح عليها بتصميم جاعلا الرفض مسألة غير قابلة للتفاوض
سبيلي نفسك وأنا هخليكي في حالة تانية خالص ومش هاقبل بأعذار نهائي.
تحرجت من رفض دعوته وقالت
مش هاينفع أنا آ...
قاطعها بإصرار أكبر
كده هزعل أرجوكي يا دكتورة أنا غرضي أسعدك.
للحظة فكرت في كلامه فقد احتاجت للهروب من دوامة القلق التي تعتصرها أبدت موافقتها قائلة وهي توسم ببسمة رقيقة
طيب.
تظاهر بالسعادة العارمة لقبولها لكن في دواخله غير المرئية لها كان ېحترق كمدا فقد أصبح مدركا أن المنافسة بينهما بدأت لتوها وخصمه راح يشرع في تنفيذ مخطط استدراج ضحيته الجديدة لشباكه باللجوء لنفس الحيل القديمة المستهلكة الاختفاء المريب والغياب الطويل وتعذيب الوجدان بإحساسي الفراق والهجر المرير لتصير بعدئذ لقمة يسيرة سهلة المضغ فترفع رايات الاستسلام دون أدنى مقاومة بعدما استنزفتها مشاعرها المرهفة. قال بتحد متحفز لنفسه وفي عينيه تصدح هذه النظرة الماكرة
هنشوف هترسى في الآخر على مين !!!
يتبع الفصل الثامن
الفصل الثامن الجزء
 

15  16  17 

انت في الصفحة 16 من 79 صفحات