المطارد بقلم امل نصر
ساخطة ورأسها ملتفة نحو الباب الذي صفقته والدته بوجهها حتى اصطدمت بغير قصد بأخيها عثمان الذي كان خارج بالصدفة من غرفته ابتعد عنها متأفافا
فقال مخاطبا لها
مش تحاسبي يازفتة انتي كنت هاتوقعيني في حد يسرح برضوا وهو ماشي كدة
ردت هي ساخرة پغضب
معلش ياسي الباشا ان كنت ازعجتك ولا بقعتلك بدلتك الغالية حقك عليا ياسيدي
ايه يابت انتي مالك في ايه بتدلقي كلامك الدبش في وشي وعايزة تسيبني وتمشي بعد كدة
زفرت من فمها بقوة ثم قالت
نعم ياباشا عايز ايه مني
تحاهل عدم رضاه على طريقتها السوقية في التحدث فقال
اانا مش هاتعبك ياختي ولا ازعجك انا بس عايز افهم كنت ماشية بتبرطمي ليه في الكلام وقت ماخبطتي فيا
خاطبها يتحلى ببعض الصبر
بنت عمتك انصاف مش مچنونة ولا حاجة دي مجرد واحدة عندها حالة نفسية بس حالتها صعبة انتي بقى زعلانة ليه عشان والدتك بتراعيها
انت كمان هاتعمل زي امك ياسي الأستاذ وتقولي انت مالك في ايه ياناس هو انتوا ناسين هي تبقى اخت مين ولا نسين العملة السودة اللي عملها اخوها مع ام
قطعت جملتها مضطرة حينما اطبق اخيها على ذراعها ضاغطا قائلا پغضب
اخرسي خالص يابت انت واعرفي انت بتهلفطي بإيه قبل ماتعوكي الدنيا الكلام دا غلط الله ېخرب بيتك مين قالهولك
مش محتاجة حد يقولي أينعم انا اصغر واحدة فيكم وماحضرتش الكلام في وقته لكن في بلدنا مافيش حاجة بتستخبى ياحبيبي وقصة البني ادم ده كانت معبية البلد والصغير يعرفها قبل الكبير
قبصته يلوحها امامها بټهديد
اخرسي خالص يانعمة كل الكلام اللي اتقال في البلد دي كدب ومجرد اشاعات مافيش اي حاجة منها صح
صمت يحدق بها قليلا كي يبحث عن رد مناسب لسنوات عمرها الصغيرة حتى لا يصدمها بالحقائق المرة عن ابيها رجل التقوى والقدوة في نظرها فقال اخيرا بيأس
الموضوع دا كبير ومعقد جدا عليكي يانعمة انا مش هاعرف اشرحه دي حاجات اكبر من الخلافات واكبر من اي شئ في خيالك
استشعر عدم تفهما لكلماته من نظرتها اليه ببلاهة فقال مشفقا على عقلها الصغير
لم ترد ولكنها ارتدت قليلا تلوي ثغرها بعدم رضا وتحركت تذهب من أمامه وكأنه لم يحدثها من الأساس
وفي بيت سالم وبالتحديد بداخل غرفة الفتيات سمر وندى التي جالسة على طرف تختها منكفئة على احدى قطع القماش الصغيرة البيضاء بتنفيذ تطبيقها الذي تعلمته من الدراسة بالتطريز بطريقة حرفية تعمل على تعلمها جيدا بكل تركيز انتفضت فجأة على سماع دوي هاتفها بنغمة ورود مكالمة تليفونيه لها تناولت الهاتف لترى من المتصل صعقټ حينما تبينت هويته سهمت تنظر بتفكير امامها في الفراغ مندهشة الأتصال السريع فلقد كان الإتفاق ان ينتظر قليلا حتى تمهد لأهلها كي يوافقوا للنظر في طلبه للزواج بها مرة اخرى وبناءا على هذا وافقت هي إعطاءه رقم هاتفها
ماتردي يابت انت ولاقفلي الزفت ده بدل الصداع انا مش ناقصة
هتفت بها سمر التي كانت تستذكر دروسها على المكتبة المتواضعة بداخل
الغرفة التفتت ندى تزفر بتأفف قائلة
نعم ياست سمر لحقتي ياختي تصدعي من رنة تليفون
ومصدعش ليه ان شاء الله وانا بذاكر بتركيز على الدروس الصعبة في الكتاب ماهي كمان مش ناقصة زن الرنة المستفزة بتاعتك
لوت ندى ثغرها تلوح لها بالهاتف
اهي يااختي الرنة خلصت انبطي بقى ياست البرنسيسة
شهقت لها سمر تشير بسبابتها الذي انار امامها بورود اتصال اخر
طب أهي الرنة رجعت تاني ياست ندى وريني هاتعملي ايه بقى هاتقفلي ولا تردي
لفت ندى الهاتف لتجد نفس الرقم ازدردت ريقها فردت على شقيقتها بصوت متردد
طبعا انا خلاص هارد عليها بقى امال هاسيب صاحبتي ترن على الفاضي واطمني ياستي مش هاتكلم جمبك عشان ماصدعش مخك
نهضت لتترك المكان ولكن فور أن وضعت يدها على مقبض الغرفة هتف عليها سمر قائلة
ولما هي صاحبتك مش كاتبة اسمها على النمرة ليه
استدارت لها تصك على اسنانها
انت مالك انت اكتب اسمها ولا مكتبش حتى خالص دا انت حشرية جدا على فكرة
ردت سمر باستخفاف
من بعض ماعندكم يااختي
خرجت ندى من غرفتها تتسحب على اطراف اقدامها حتى دلفت لداخل الحديقة الخلفية في بيتهم كي تختفى عن أعين الجميع هدأت قليلا من صوت تنفسها المضطرب قبل أن تضغط على ازار هاتفها كي تطلب نمرته بعد أن تجاهلت اتصالاته منذ دقائق خوفا من اهلها على الفور اجابها هو بلهفة
الوو اخيرا رديتي
ردت بتوتر
انا مكنتش هارد عليك اساسا هو انت ليه
اتصلت
وصلها صوته
وفيها ايه لما اتصل يا ندى امال انا واخد نمرتك ليه يعني
لا طبعا ماينفعش تتصل انا قولتلك هحاول مع اهلي تاني عشان برضوا ولما يحصل هاتصل بيك على طول وابلغك
ما انا كنت هاصبر ياندى بس اعمل ايه بقى في قلبي اللي بيضرب داخل ضلوعي ولا اكنه مركب سماعات من ساعة ماخدت مواقتك وقولتي انك مش معترضة بخجلك اللي جنني وموافقة عليا النعمة ماقدرت انام وانا ببص على نمرتك في تلفوني وڠضب عني لقيت صوابعي على النمرة تتصل بيكي
برقت ندى وانحاشت انفاسها باضطراب من كلماته المتغزلة وصوت تنهداته التي تصدح بالأشواق على طبلة أذنها فخرجت كلماتها بتلعثم
مممن فضلك ياأستاذ اااا
كرررم اسمي كرم يااحلى ندى هو انت لحقت تنسي اسمي بالسرعة دي
ياأستاذ كرم ماينفعش حضرتك تقولي الكلام واحنا لسة مافيش بينا حاجة عيب مايصحش
لا يصح ومش عيب طبعا مدام هاتبقي مراتي ياندى ماهو انا لايمكن اتنازل تاني ولا ابعد عنك بعد ماخدت موافقتك وعرفت انك ميلالي
تدلى فكها وعيناها برقت في الظلمة وقد طار مع الهواء ماتبقى من ثباتها فلم تجد من الكلمات كي ترد عليه
روحتي فين ياندى ماتردي ياقمر
مممم لو سمحت انا هاقفل دلوقت
اغلقت المكالمة ولم تنتظر موافقته فقد دارت الأرض بها ولم تعد لديها قدرة للرد وقد تخدرت اعصابها من كلماته !
وقفت على اقدامها المرتجفة وسارت لتخرج من باب الحديقة الخلفية لتدلف لداخل المنزل بخطوات خفيفة على اطراف اقدامها حتى لا يشعر بها احد من اهل المنزل ويسألها وصلت الى غرفتها فوجدت شقيقتها غفت على كتابها الذي كانت تستذكر دروسها فيه وهي جالسة على مكتبها لم تعطيها انتباه فااكملت حتى وصلت لتختها تلتحف بالغطاء حتى ذقنها قلبها يضرب داخل اضلعها پخوف لاتدري سببه ولا تجد تصنيفا لماتفعله اهو خطأ ام صواب شئ بداخلها يخبرها انها تفعل الصواب خصوصا والرجل قد تقدم لطلب يدها سابقا من قبل أن يتعرف عليها او يعرفها بنفسه حتى اذن فقصده شريف ويقصد الحلال فهو ويعشقها كما ذكر فلماذا تحرم على نفسها هذا الإحساس الجميل احساس الحب كما تصفه لها احدى صديقاتها إحساس الفتاة حينما تشعر بأنها مرغوبة ويعشقها أحدهم شئ جميل لاتجد وصفا لروعته فهي جميلة وتستحق التقدير والتدليل ولكن مايخيفها انها تخفي الأمر على أسرتها أسرتها التي رفضته بحجة انه غريب والسبب الأصلي للرفض هو عدم تزويجها قبل شقيقتها يمنى اذن فالخطأ منهم وليس منها هم من رفضوا دون اخذ رأيها ولا مراعاة شعورها في شئ يخص حياتها ومستقبلها
بت ياندى انت لسة صاحية
انتفضت مجفلة على الصوت الأنثوي لدرجة لفتت نظر والدتها التي قالت بجزع
بسم الله الرحمن الرحيم هو انت اټخضيتي ياندى انا مقصديش اخوفك يابتي
اومأت برأسها دون رد فتابعت نجية
انا بس استغربت انك صاحية وعينيكي مفنجلة على اختك اللي نامت على الكتاب من غير ماتنيهها
اااه ما انا كنت مغفلة انا كمان وعيني فتحت يدوب ثواني قبل ماتيجي
قالت ندى لتبرر لوالدتها التي من سمر الصغيرة تهدهدها حتى استيقظت بنصف وعي فنهضت مستندة على ذراع والدتها حتى ارتمت على فراشها ودثرتها بالغطاء
خاطبتها نجية وهي ترتب في كتب الدراسة على مكتب سمر طب كملي انت نومك عشان تصحى بدري وماتغلبنيش في صحيانك عالصبح زي كل يوم
اومأت ندى تتصنع النوم وتغمض عيناها التي فتحتهم على وسعهم فور خروج والدتها من الغرفة تنهدت تعود لحيرتها مرة أخرى ولكن مع استعادة ذهنها لكلماته ابتسمت بانتشاء تخاطب نفسها بأنها محبوبة ويبدوا انها على وشك خوض تجربة الغرام التي تراها بالأفلام وتعيشها في الاغاني وتسمع عن قصصها الحية من زميلاتها في الدراسة!
انت بتقول ايه ياجدع انت واعي انت للكلام اللي طالع من خشمك دلوقت
تفوه بالكلمات سالم وذهنه في حالة من التشتت وعدم التركيز بعد ان قص عليه صالح قصته على عجالة والذي قال يجيبه
انا حالف على المصحف ياعم سالم وكل كلمة طلعت مني دلوقت هاتسأل عليها قدام ربنا وها يجازيني عليها اشد الجزاء لو كنت بتبلى عليه فيها
صمت سالم يشيح بنظره عنه وهو يستوعب ويستعيد بذهنه كل كلمة ذكرها صالح في حكايته العجيبة
ايوة بس انت عايزني اصدق ازاي بس دا كلام شديد قوي على واحد جاهل زيي يستوعبه
رد صالح بصوت مثقل بالهموم
المشكلة ماهياش فيك انت ياعم سالم ولا في جهلك المشكلة هي انك مش قادر تصدق عليه زي ماعمل اهلي تمام لما صدقوه هو وكدبوني انا بس كانوا هايصدقوني ازاي وانا كتمت على چرحي بملح عشان اختي اللي حلفت لاتنتحر لو حد جاب سيرتها عشان كانت متأكدة ان مافيش حد هايرحمها ولا يقول في حقها كلمة زينة وكانت هاتشيل ذنب فوق الظلم اللي وقع عليها انا نفسي ماعرفتش غير بعدها بوقت طويل يجي شهرين بالصدفة
وانت عرفت ازاي بقى
عاد برأسه صالح
للخلف وكأنه يعود لنفس اللحظة
يتبع
الجزء الثالث بقلم امل نصر
الفصل ١٢
انصاف امرأة طيبة لدرجة السذاجة تربت ببيت جدها بعد ان توفى والديها مبكرا الى كنفه وتحت رعايته حتى كبرت واصبحت في سن الزواج فتخير لها من جمع الخاطبين مايليق بها ويراعي بحنانه يتمها وضعفها سلمها جدها الى رجل نزيه السمعة ويتميز بالأخلاق الحميدة كان زوجها يخدم بالجيش وفي رعاية الوطن كظابط بالحرببة قضت اجمل ايام عمرها معه في سعادة لم تستمر