رحلة اثام بقلم منال سالم
ذلك ظل هذا النفور سائدا لكن ما لبث أن ازداد تعمقا به حينما لاحت هذه الفرصة الذهبية في الأفق فكيف له أن يضيع ما أوشك على الظفر به مقابل التمسك بها حضر من تأملاته الشاردة لينعكس ضيقه على تقاسيم وجهه عندما خاطبته فردوس بحزن
طب ما تاخدني معاك واهوو ناخد بحس بعض.
هتف منتقدا ما رددته بحدة
شيفاني يعني غاوي غربة وپهدلة
لما أرتب أموري غير كده مش هاقبل على نفسي أبهدلك في بلاد غريبة يا بنت الناس.
داهمها الحزن أكثر فخشي أن تنوح ويتضاعف بكائها فتأتي والدتها لمحاسبته لذا أضاف ملطفا ولو كان كڈبا
أنا مستغناش عنك.
استسلمت مصدقة عذب كلامه وقالت بصوت مهموم
انتفخ صدره في ارتياح بعدما أتم مهمته بنجاح ليعلق باسما في حبور
تعيشي يا بنت الأصول.
فهمي أمك بقى على الحكاية وأنا هعدي عليكي تاني.
قام واقفا وودعها في الحال
سلام.
اصطحبته إلى الباب وهي تمسح بقايا دموعها براحة يدها لتستدير دفعة واحدة فور أن أغلقت الباب لتنظر إلى والدتها التي بادرت بسؤالها
مع انحدار الشمس نحو المغيب كان كلاهما يقفان عند الجراج الملحق بالمشفى أمام سيارته في انتظار وصول العربة التي تقل تهاني إلى مسكنها فالأخيرة قد أصرت على إعادة ما استعارته من كتب ومراجع إليه لتنهي بذلك السبب الذي يدفعها لمقابلته. لاحظ ممدوح
إنتي مش معايا النهاردة في حاجة مضايقاكي
لأ عادي شكرا مرة تانية على الكتب أنا ممنونة ليك.
وضع يده في جيب بنطاله وعقب باسما
قالت كنوع من المجاملة
حاضر.
أملت أن تصل العربة في أي لحظة لتعفي نفسها من هذا الحرج ومن إيجاد أي مبررات لتفسير موقفها الحذر معه اندفعت ناظرة إليه بنظرة ضيقة عندما تكلم مرة أخرى في صوت هادئ لكنه جاد
سرت خفقة غريبة في قلبها لأن ذكره لمسألة السفر أنعش ذاكرتها بما بذلت كل الجهد لنسيانه
إنت هتسافر
أطلق زفرة بطيئة من جوفه وعقب بلهجة شبه منزعجة
إن كان عليا مش حابب بس مضطر أرجع.
أبقت عينيها عليه فأكمل بلؤم مدروس
أنا لازم أطمن على الباشا فؤاد.
ظهرت الحيرة في وجهها فأعطاها التوضيح المطلوب والذي كان متيقنا أنه سيؤثر فيها
أحست بغصة قاسېة تحز في قلبها قاومت انعكاس تأثيرها عليها وحافظت على جمود ملامحها إلا أن نظراتها نطقت بما لم يبح به لسانها. ابتسم في مكر وأردف
وهبعتله سلامك طبعا.
زفر
ممدوح الهواء عاليا ليضيف بعدها
أنا مش عارف هيعدي عليا الكام يوم دول إزاي
التفتت تنظر إليه في شيء من الاستنكار لكنه أبدى أسفه النادم في التو
أعذري جراءتي شوية بس أنا خدت على إني أشوفك كل يوم ولو لدقايق.
عربيتي جت.
ودعها ويده ممدودة لمصافحتها
خدي بالك من نفسك.
ارتجفت من تصرفه المبالغ فيه فلم يكترث وسألها وهو مسبل عينيه تجاهها
في حاجة حابة أجيبهالك معايا وأنا جاي
سحبت كفها هاتفة بارتباك
لا شكرا.
همت بالابتعاد عنه لكنه مجددا اعترض طريقها ليعترف بنزق زاد من ربكتها
هتوحشيني.
حذرته بنظرة مدهوشة
دكتور ممدوح.
تراجع خطوة للخلف وقال مطرقا لرأسه
أنا أسف...
ما لبث أن ثبت نظره عليها ليتابع بتخطيط مدروس
بس اتعودت أعبر عن اللي بحسه بصراحة للناس الغاليين عندي.
حافظ على تبسمه العذب وهو ينصرف تجاه سيارته
أشوفك على خير يا دكتورة.
هو بيعمل كده ليه معايا!!
كان أول ما فعله عندما عاد إلى أرض الوطن هو الالتقاء برفيق الدرب وصديق السوء فكانا على موعد مع فتاتين من محترفات الإغواء في منزله الخاص بمغامراته الجامحة ليمضوا جميعا سهرة مميزة بها من المغريات ما يلهب الحواس ويشعل الرغبات. قص مهاب ما حاكه ببراعة ليجعل كفة الميزان ترجح لصالحه أثناء مواجهته مع أبيه في مقر عمله فنال بلا عناء رضائه وأوقع شقيقه الأرعن في مكره فأصبح الأخير هو المقصر والملام بدلا من تمجيده. كركر ممدوح ضاحكا وارتشف من كأس شرابه المسكر ليردد بعدها في إعجاب كبير
يا ابن الإيه ده إنت شيطان!
عشان ما يلعبش على النغمة دي كتير جملتين حلوين دخلت بيهم على الباشا الكبير على طول صدق واقتنع.
بعدئذ جسدها بذراعيه أصبحت كليا أسيرته ولم تظهر أدنى مقاومة له تركته ينهل عدد لا
وإنت سيد مين يلعب بالكلام! أستاذ!!
لممارسة طقوس العشق الآثم معه كانت وقفتها مائعة واستثارتها حاضرة فرمقته بنظرة تواقة متعطشة لفيض قوته طرح الأولى عنه بجفاء وكأنها نكرة لتسقط عند قدميه متأوهة من الألم المكشوف نظر لها بغير مبالاة وقال وهو يتخطاها
خدها أنا زهقت منها.
نهض ممدوح بتكاسل من موضعه لم يتمكن من الوقوف باستقامة فقرر التمدد بجوار الفتاة على البساط صاح هاتفا بترحاب غريب وهو يزحف تجاهها
هدية ماترجعش يا صاحبي!
شدها إليه فأصبحت لصيقة به ثم رفع جسده ليعتليها وأتون متقد من الحرارة ينضح من كل خلية فيه لم ټقاومه هو الآخر بل فتحت ذراعيها مستقبلة دفقات القوة بتلهف وكأنها لأول مرة تختبر مشاعر اللهفة. أقبل عليها ظافرا بمتعة عابثة معها إلى أن انطفأت جذوة الرغبة وارتوى من نهرها الجامح. نبذها بعدما فرغ منها وكأنها قطعة خردة لا قيمة لها لينهض عائدا إلى الأريكة ملقيا بثقل جسده المنهك عليها مد يده تجاه الطاولة ساحبا من علبة سجائره واحدة ليشعلها وراح يطرد دخانها ببطء.
بعد برهة انضم إليه مهاب وجلس في مواجهته وفي يده زجاجة الخمر سكب البعض في كأسه وسأله إن كان يرغب في مشاركته الشرب فقبل في التو ليشعل هو الآخر بعد ذلك سېجارة
تمهيد
ناوي على إيه مع الصيدة الجديدة!
لم يفهم مراده فرد عليه متسائلا
قصدك مين
بادله نظرة غامضة محملة بالكثير قبل أن يجيبه بكلمة واحدة
تهاني!
قهقه ضاحكا في استهزاء ليردد من بين ضحكاته ساخرا
أنا فكرتك بتكلم عن حد مهم..
عموما هي مش في دماغي.
جاء تعقيب ممدوح معاتبا
وده ينفع تسيب الساحة ليا كده ألعب فيها لواحدي
نفض مهاب رماد سيجارته المحترق بهزة صغيرة من إصبعيه وعلق بلا اهتمام
اعتدل ممدوح في جلسته هاتفا بتحفز طفيف
ومين جاب سيرة الجواز تلاقيك خاېف لأقطفها قبلك!!
أخبره بغطرسة واثقة
إنت عارفني مافيش واحدة تستعصى عليا مهما كانت فين!!
ثم مط فمه قليلا وأضاف بغرور معروف به
وتهاني مش هتاخد في إيدي غلوة!
لم يبد ممدوح مقتنعا بهالة السيطرة التي يحاول إبهاره بها فاستخف به مما جعله يزداد تحمسا لخوض هذه المغامرة فهتف يعلمه بما قرره في التو
تراهني هخليها تسلملي نفسها برضاها ومزاجها!!
تطلع إليه بهذه النظرة المستهترة وعلق عليه بلهجة شبه مقللة من شأنه
أيوه بكلامك الحلو وكاسك اللي يدوخ أسلوبك معروف وأنا حافظه كويس.
تحداه مهاب قائلا بصوت غامض ومثير
لأ هغير التكنيك خالص وهتشوف.
عندئذ تقوست زاوية فم رفيقه والتصقت بها ابتسامة لئيمة مطعمة بالتحدي ليستطرد معلنا قبوله الدخول في ذلك النوع من المراهنة الخطېرة
مستنيك تبهرني !!
يتبع الفصل التاسع
الفصل التاسع
القرار
غلبتها قلة الحيلة أمام تطفل هذه السمجة فلم تجد بديلا سوى الانتقال من السكن الحالي والبحث عن آخر يتوافق مع وضعها المادي والنفسي. الاختيارات المتاحة لديها كانت محدودة للغاية فوقع الخيار في النهاية بعد بحث استمر لمدة أسبوعين على مسكن أكبر في المساحة يضم ثلاثة غرف تشترك كل اثنتين في غرفة فيما عدا واحدة ظلت شاغرة. وقفت تهاني أمام باب الغرفة الأخيرة تتأملها بنظرات مزعجة
لو لم تكن مضطرة لما ارتضت بذلك بديلا حافظت على جمود ملامحها بعدما ألقت نظرة متأملة على الغرفة التي تضم سريرين منفردين وخزانتين مستقلتين بالإضافة إلى طاولة مستديرة ومقعدين خشبيين ومرآة تسريحة ملتصقة بالحائط. حادت ببصرها عن النظر إلى محتوياتها والتفتت مخاطبة في هدوء شبه رسمي السيدة المسئولة عن تسكين المغتربات هنا
مناسبة هاخدها.
ردت السيدة عليها بتشجيع
إن شاءالله تتبسطي فيها البنات هنا كلهم محترمين ومجتهدين وشغالين في وظايف حلوة اللي مدرسة واللي ممرضة وآ...
قاطعتها قبل أن تنهي جملتها قائلة بجمود
أنا بحب الخصوصية فأتمنى محدش يشاركني في الأوضة بعد ما دفعت الدبل فيها.
هزت رأسها في تفهم وقالت
اطمني...
ثم مدت إليها يدها بالمفتاح قائلة ببسمة متسعة
دي نسختك أهي.
أخذته منها وهي تقول بإيجاز
شكرا.
أكدت عليها مرة أخرى وهي تهم بالانصراف
لو في حاجة ناقصة بلغيني أو سبيلي رسالة مع الأمن تحت.
طيب.
قالت كلمتها وهي تسير معها إلى باب المسكن حيث كانت تتواجد إحدى القاطنات بالاستقبال الصغير. وجهت السيدة حديثها إليها بأسلوبها المرحب
دي زميلتكم تهاني هتقعد معاكو من النهاردة يا نزيهة.
حولت نزيهة ناظريها تجاهها للحظة دون أن تبدو مهتمة فعليا بها ثم ابتسمت بتكلف قبل أن تتابع تقليم أظافرها لتنصرف السيدة بعدئذ تاركة الاثنتين بمفردها. لم تحاول تهاني صنع أي صداقة ودية مع هذه الشابة الغريبة عنها حملت حقيبتها واتجهت إلى غرفتها لتغلق الباب عليها وهي تردد بصوت خفيض
كده أحسن.
أدركت مدى صعوبة الوضع الذي أصبحت عليه حين تساهلت مع الغرباء كل شيء قد بات مهددا وربما تخسر ما تحاول فعله قبل أن تتمه من الأساس لذا كان القرار الصائب من وجهة نظرها
الهروب مما يعرقل تحقيق نجاحها.
تأكدت من إحكام غلق البرطمان جيدا بعدما عبأته بصنيع يدها المميز من الحلاوة السوداء لتضمن عدم تسرب محتوياته حينما تنقله ثم لفته بكيس بلاستيكي صغير وعقدته من الأعلى قبل أن تضعه في آخر لتتمكن ابنتها من حمله بمفرده. مرة أخرى ألقت عقيلة نظرة مدققة على الحقيبة القماشية التي وضبتها لتتفقد ما ملأتها به فقد أحضرت خصيصا زبدة فلاحي وقطع من الجبن وبعض المخبوزات المنزلية لترسلها مع ابنتها في زيارتها لحماتها. نضح قلب فردوس بالبهجة وهي تتحمس لملاقاة والدة زوجها فإذ برؤياها تشبع توقها للتواصل معه فمنذ أن سافر لم يرسل إليها ولم لمرة واحدة. أصغت بانتباه لتعليماتها وهي تحذرها بإشارة من إصبعها
تمشي على مهلك وخدي بالك من الحلاوة.
أومأت برأسها هاتفة في طاعة
حاضر يامه.
شددت عليها مجددا وبنفس اللهجة الصارمة
وما تطوليش عندها يا بخت من زار وخف.
جاء ردها على نفس اللهجة المطيعة
ماشي.
تأهبت فردوس لتتحرك بعدما حملت كل شيء لكن أمها استوقفتها آمرة إياها
وريني نفسك.
أنزلت الحقيبة القماشية من يدها والتفتت تحملق فيها بوجه باسم وهي تسألها
حلو كده يامه
بعد لحظة من الصمت المدقق أخبرتها بملامح جادة
خفي اللي على خدك ده شوية.
اعترضت بشيء من الإلحاح
ما حلو يامه خليه عليا.
حذرتها بغير تساهل
عاوزة حماتك تقول عنك مصدقتي جوزك يسافر واتسابتي
قصف قلبها توجسا مما فاهت به وقالت بلا جدال
معاكي حق.
كده أحسن
أجابتها في حبور
أيوه.. ربنا يصلح حالك ويراضيكي.
مرة ثانية انحنت لتحمل الحقيبة القماشية في يد وكيس الحلاوة السوداء في اليد الأخرى وسارت نحو الباب فلحقت بها والدتها لتعاونها على فتحه وهي لا تزال توصيها
امشي على مهلك