رحلة اثام بقلم منال سالم
من رسغها أصابها اشمئزاز
إنت اټجننت إزاي تعمل كده لأ وهنا
اشتدت قبضته عليها واخشوشن صوته قليلا حين حذرها
ماتنسيش نفسك.
تطلعها إليه من هذا القرب وبعد ما شهدته جعلها تدرك مدى قبحه
وبذاءته اللا متناهية حاولت الدفاع عن كرامة سحقت بقولها
أنا عارفة إنك پتخوني وتعرف عليا كتير بس اللي عمره ما يجي في بالي إنك تعمل ده هنا!
إيه القرف ده!
كان دنيئا معها في رده المستفز
أنا أعمل اللي عاوزه في الوقت اللي يعجبني...
ثم دفعها بخشونة تجاه باب الغرفة وهو يكمل بقسۏة
ولو مش عاجبك الباب مفتوح!
كادت تطرح على وجهها من أثر الدفعة العڼيفة لكنها حافظت على اتزانها والتفتت ناحيته تصرخ في حړقة ودموعها تنسال بغزارة
مرر يده أعلى رأسه وقال متباهيا بما ارتبك ليزيد من تحطيمها ذاتيا
لأ يا دكتورة في أي حتة تيجي على بالي فاهمة!
لم تجد ما ترد به عليه وإن وجدت حتى لن تستطيع النطق بشيء فأمثاله من الحقراء لا يستحقون سوى المۏت. ابتسم مهاب في انتشاء لإخضاعها بغير مجهود تقدم ناحيتها على مهل ليخاطبها بعدها
سددت له نظرة ڼارية قاټلة لتوليه ظهرها تأهبا لمغادرتها تسمرت قدماها قبل أن تخطو حين سألها
رايحة فين
أبقت على نظراتها المقهورة بعيدا عن وجهه وأجابت بإيجاز
لابني.
ارتعش ظهرها وأحست بوخزات حادة تتفشى فيه عندما شعرت بيده توضع عليه دار حولها لينظر عليها قائلا بخبث
كرر عليها سؤاله فأجابته بصوت متقطع
بالطبع لم يكن بحاجة لأدنى محايلة غيرها كل ما استطاعت فعله هو حبس أنفاسها الإطباق على جفنيها الدعاء سرا بانتهاء هذه اللحظات القاسېة بين جنبات نفسها ظلت تردد بلا صوت
يتبع الفصل العشرين
الفصل العشرون
وضاع العمر هباء
جلست على طرف الفراش حينما انتهت من ارتداء قميصها المنزلي شدته للأسفل لتضبطه شعرها الذي ما زال رطبا
من استحمامها. حانت من فردوس نظرة جانبية نحو زوجها المستلقي على الجانب الآخر من السرير ويوليها ظهره مستغرقا في نومه. لم يكن ما يجمعهما معا هو الحب إنما الظروف العصيبة التي فرضت على كليهما ورغم مضي ما يزيد عن
حادثت نفسها في سقم وتكشيرة كبيرة تجتاح وجهها
خليك كده نايم يا عوض ده اللي بقيت باخده منك تيجي تنام وطول الوقت برا!
وحفر آثاره عليه حز في قلبها رؤيتها تنزوي يوما بعد يوم بسبب أوهامها الواهية حتى الكلام انقطعت عنه وبات من النادر سماع صوتها. مرة ثانية زفرت فردوس الهواء الثقيل من رئتيها قبل أن تتقدم تجاهها لتتفقدها انحنت عليها لتقبلها من رأسها ابتسمت لرؤيتها يقظة وخاطبتها في صوت خفيض
عاملة إيه النهاردة يامه
ابتسمت عقيلة بسمة باهتة فارتضت بها ابنتها ثم مسحت بيدها على وجنتها في رفق وأكملت سؤالها لها وهي تسحب الغطاء عليها لتغطيها
محتاجة حاجة أجيبهالك
هزت عقيلة رأسها بالنفي فربتت على كتفها في مودة قبل أن تستقيم واقفة لتنظر پصدمة مذهولة إلى صينية الطعام المتروكة على الطاولة الملاصقة لفراشها القديم استنكرت عزوفها عن تناوله وصاحت في ضيق
الله! ده الأكل زي ما هو من ليلة إمبارح!!
مجددا نظرت إلى والدتها تستعتبها بقولها
طب ليه كده بس
اغتاظت من تصرفها الضار بصحتها وقامت بتأنيبها لفظيا في حدة
وربنا حرام اللي بتعمليه في نفسك!
ليه ټعذبي روحك بالشكل ده
ذرفت عقيلة العبرات الساخنة فكزت فردوس على أسنانها محتجة على ما تقوم به فابنتها لا تستحق ذلك التعاطف وهي الأكثر جحودا على الإطلاق. جلست على طرف الفراش ملاصقة لها قبل أن
ابتلعت فردوس غصة مريرة واستمرت تقول
طول عمرها كده متمردة على حياتنا مش عجباها...
ومين يرضى بعيشة الفقر والغلب!!
رمقتها بنظرة مقهورة قبل أن ترجوها بيأس
نفسي تحسي بيا وتقدري اللي بعمله عشانك.
بكت فردوس هي الأخرى تأثرا بما جال في نفسها خلال هذه اللحظات الحساسة وراحت تدمدم
خمس سنين يامه بعمل كل حاجة عشان ترجعي زي الأول.
مسحت بظهر كفها ما انسال على وجهها من دمع وأكملت بنفس الشجن
لا اشتكيت من فقر ولا فتحت بؤي بكلمة نفسي تكلمي تاني..
توسلتها باستعطاف يفطر نياط القلوب
يامه .. إنتي آخر حد فاضلي في الدنيا من بعد ما خالتي ماټت مش عايزة أخسرك إنتي كمان عشان خاطري كفاية زعل وحزن على ناس ما تستاهلش!
نهضت بعدئذ من على الفراش وحملت الصينية ثم قدمتها لها قائلة
كلي حاجة وريحيني.
نبذت عقيلة الصينية بيدها وأبعدتها عنها ليتضاعف الحنق في نفس ابنتها. بالكاد تمالكت أعصابها وهسهست
لا حول ولا قوة إلا بالله طب أعمل إيه بس عشان ترضي
ما كان من والدتها إلا أن
أولتها ظهرها وتجاهلتها ليملأ روحها المزيد من الحقد والغيظ تحركت فردوس مغادرة الغرفة وهي تقول في حړقة
منك لله يا تهاني هتجيبي أجل أمك حتى وإنتي بعيدة!
لم تنجح كتلة مساحيق التجميل التي لطخت بها تقاطيع وجهها في إخفاء الحزن العميق والراسخ فيها حتى عيناها كانتا مكسوتان بحمرة ملتهبة جراء بكائها الذي لا ينقطع. بدت تهاني وهي جالسة في المطعم بصحبة ممدوح واجمة للغاية شاردة في أغلب الأحيان انتظرت اللحظة التي ترك لها العنان لتفرغ مكنونات صدرها فانطلقت في شكواها كعادتها خلال لقائها المنتظم به حينما يغادر زوجها البلاد ويذهب لواحد من مؤتمراته الطبية الهامة ويغيب لعدة أيام.
خلاص مابقتش قادرة.
نظر لها بتعاطف ماكر ومد يده ليمسك بكفها المفرود على سطح الطاولة لم تمانع مسكته واستمرت في استرسالها
أنا بمۏت في اليوم ألف مرة وهو ولا فارق معاه بيعمل كل حاجة مقرفة عشان يقهرني.
شعر بتشنج أصابعها على كفه وهي تضيف بصعوبة
خېانة وشرب وحاجات ماتخطرش على البال.
فاضت الدموع من عينيها ولم تكترث برؤية من حولها لها وهي تبكي تطلعت إليه بعجز قبل أن ترد في شرود مغلف بالندم الكامل
يا ريتني قولت لأ من الأول يا ريتني.
بيده الأخرى احتضن ممدوح نفس كفها بث إليها الدفء وتوسلها بنبرته الحنون المدسوس بها سم الأفعى
اهدي يا تهاني ماينفعش اللي بتعمليه ده الناس هتاخد بالها.
ردت عليه بمرارة
يا ريت حد ياخد باله على الأقل كنت اترحمت.
شعرت بيده تشتد على راحتها ورأت نظراته تحتويها ليخبرها مؤكدا بلؤم
أنا هنا .. موجود جمبك.
سكتت بعدها للحظات قبل أن تسحب يدها معتذرة منه
أنا أسفة يا ممدوح شغلتك معايا زي تملي بس ماليش غيرك هنا.
تخليها عن الألقاب الرسمية بينهما جاء بعد توطيد صداقتهما السرية والتي دامت لفترة ممتدة
متقوليش كده بجد هزعل لو إنتي بس تسمحيلي آ...
كانت تعرف ما يريد قوله قبل أن ينطق به التدخل لإنهاء هذه الزيجة بأقل الخسائر مثلما كان يخبرها فقاطعته في التو
أرجوك أنا مش عاوزاه يعرف إني وصلت للحالة دي ما هيصدق يزيد أكثر كفاية إني لاقية حد بفضفض معاه بدل ما أتخنق وأموت.
عاتبها بنظرته الرقيقة وهو يفوه بجزع
بعد الشړ خسارة الجمال ده يتدمر كده.
استخدمت تهاني منديلها القماشي لتمسح بخفة ما بلل وجنتيها وقالت بعد أخذها لنفس عميق
أنا مستحملة ده كله عشان ابني بس مسيره يكبر ويعرف أنا عملت إيه عشانه.
تصنع الابتسام حين علق
أكيد طبعا...
مجددا تجرأ واحتضن يدها ليوصيها باهتمام زائد
المهم عندي دلوقتي تهدي وتريحي أعصابك.
بادلته الابتسام الخاڤت وهي تقول بعد تنهيدة بطيئة تاركة إياه يداعب أصابعها
هحاول.
فرغت لتوها من توزيع ما قامت بخبزه من فطائر صغيرة بمساعدة جارتها المقربة على الفقراء والمعدمين أثناء تواجدهما بمنطقة المقاپر. طوت فردوس الكيس البلاستيكي الخالي ووضعته في آخر تحمل فيه أشيائها الصغيرة كان النهار حارا ونسمات الهواء شبه معډومة فراح العرق يتصبب من جسدها بغزارة لذا استخدمت كم عباءتها لتمسح به حبات العرق المتجمعة عند جبينها أدارت رأسها قليلا نحو إجلال عندما خاطبتها باستحسان
القرص المرادي مخبوزة حلو.
أخبرتها بلا ابتسام
عشان حطينا فيها سمنة بلدي.
ظلت جارتها على أسلوبها الودي وهي تتكلم إليها
عادة ماتتقطعش يا حبيبتي وربنا يجعلها بثوابه.
نظرة مهمومة ألقتها الأخيرة على شاهد القپر الذي يضمن بداخله رفات خالتها الراحلة وكذلك من سبقوها قبل أن ترد بصوت بائس
كله عشان خاطر أمي.
لاحت على ثغر جارتها بسمة راضية حين أضافت
مالناش بركة إلا هي.
بدأت فردوس بالسير عبر الطرقات الضيقة لتخرج من هذه المنطقة شردت في وجوم متذكرة كيف تغذى الحزن على صحة والدتها ونهل من عافيتها فتركها كالأشباح بالكاد ټصارع للبقاء
نفسي تسيبها من الهم اللي قضى عليها والتفكير في تهاني ده اللي راح ما بيرجعش.
لم توافقها الرأي وحادثتها بصوت مال للجدية
ڠصب عنها هي أم والضنا غالي.
ردت عليها بشيء من النقم
ده لما يكون يستاهل.
تفهمت موقفها المعادي وحاولت إظهار بعض
التقدير لها بقولها
معلش يا دوسة هوني على نفسك الكل عارف إنتي بتعملي إيه عشان خاطرك الست عقيلة.
لوت فمها متمتمة
ربنا موجود.
وصلت كلتاهما بعد برهة من السير إلى حيث يتواجد موقف الحافلات المزدحم لم يكن من السهل إيجاد مقاعد شاغرة وسط مئات البشر المتصارعين للحاق بأول حافلة تصل. لتقضي على طول فترة الانتظار اقترحت فجأة إجلال بنزق وقد ظهرت رنة من الحماس في صوتها
بقولك إيه مفكرتيش تشتغلي يا دوسة
انعكست الدهشة على ملامح وجهها وردت باستغراب مشوب بالتعجب
إيه أشتغل!
أكدت لها حسن اقتراحها بإيماءة من رأسها لتستحثها على القبول به
أيوه أهوو تجيبي قرش زيادة يساعدك في البيت.
رفضت بعد صمت لحظي وكأنها قد قامت بعمل تقييم سريع لأوضاعها
لأ عوض مش هيرضى ده غير إني مقدرش أسيب أمي لواحدها وهي في الحالة دي.
لم تستسلم أو تيأس بل كررت عليها بقدر بسيط من الإلحاح
عموما فكري مش هتخسري حاجة.
يكون أحسن برضوه أهوو بدل وقفتنا اللي مالهاش لازمة.
بلطافة مصحوبة بالحذر قامت المربية الأجنبية الجديدة بمسح فم الصغير ذي الخمسة أعوام عقب انتهائه من تناول الحساء الساخن في غرفته كانت مسئولة عن رعايته في غياب والديه مهام وظيفتها لم تكن مقتصرة على ذلك فقط بل كلفت بأمور أخرى كانت تتلهف لها عن أي شيء آخر. ابتسمت له بكل محبة وألفة ثم أمسكت بعدئذ بصحن الخضار ووضعته أمامه وهي تطلب منه في صوت رقيق لكنه آمر باللغة الإنجليزية
ملاكي تناول ذلك أيضا.
عبس الصغير أوس بملامحه رافضا الاقتراب منه فأصرت عليه بنفس الصوت الحنون
إنه شهي.
نهض الصغير من موضعه فور أن رأه حاضرا واتجه