رحلة اثام بقلم منال سالم
باكر
طب بقولك إيه في حاجات كتير ناقصة عاوزة أشتريها هتنفعنا وآ...
قاطعتها بعدم اهتمام
بعدين أنا مش فايقة اقفلي الباب وراكي.
بالكاد انزاحت من غرفتها لتغمغم في صوت مسموع ومصحوب تنهيدة طامعة
اوعدنا يا رب بمعارف تقال زي اللي بتعرفهم تهاني يا رب.
رفعت الأخيرة رأسها عن الوسادة لتتطلع إلى أثرها بعدما غادرت غرفتها ساد على وجهها تكشيرة نافرة منها وهي تنهض سريعا لتغلق الباب في التو قبل أن تفكر في العودة وتزيد من إزعاجها بأسلوبها غير المستلذ. استندت بيدها على الإطار الخشبي وابتسامة ناعمة تشق طريقها إلى مع تذكرها لمدى الراحة
الفصل الخامس
مكر الثعالب
تراصت المقاعد الخشبية المستأجرة بمحاذاة الحيز الشاغر في صالة المنزل بعدما تم إزاحة معظم الأثاث ليكون ملائما لاستقبال الضيوف في هذه الليلة المميزة. كما تولى أحدهم تعليق الزينات والأنوار البراقة وأضاف آخر حاملا من الورد وضعه بين الأريكتين المخصصتين لجلوس العروسين في منتصف الحضور. أشرفت عقيلة على غالبية من تطوع للمساعدة في إنجاز ما ينقص وتولت بنفسها تجهيز قوالب الحلوى وتحضير الشربات والعصائر الطازجة في حين قامت شقيقتها أفكار بتقطيع الفواكه وحشو الشطائر بقطع الجبن واللحم لتوزيعها على المدعوين بينما جلست فردوس بداخل الغرفة لتقوم جارتها إجلال بمعاونتها في تزيين وجهها بمساحيق التجميل.
ملاقتش إلا دي يا بدري
ضغط على شفتيه للحظة ثم أخبره بعد زفرة سريعة
على أد ظروفي.
خاطبه پحقد يملأ صدره
يا ابني إنت تستاهل أحسن من كده دي أختها صعب وعملت فيا اللي ما اتعمل وفي الآخر طردتنا.
بناء على تعامله الشخصي معها وحديث خالتها أفكار عن طبيعتها المسالمة كان مدركا إلى حد كبير للفارق بين كلتيهما لذا رد مدافعا عنها
أصر على رأيه هاتفا بتصميم
الډم واحد اسمع مني...
لم يبد بدري مقتنعا بما يفوه فلجأ إلى إخباره بنوع من الذم
ده غير إن شكلها مش أد كده في ألف واحدة أحلى منها بكتير.
ظل مطرقا رأسه وهو يرد
أهوو النصيب.
انتقل الشقيق الأكبر من موضعه ليجلس في الجهة المقابلة لشقيقه وتساءل باسما
بتكلموا عن مين كده
حذره شفيق بقدر من التهكم
تكلم عوض الله منتقدا وصفه المسيء إليه
هو عشان بقول كلمة الحق أبقى وحش
طالعه شفيق بنظرات ناقمة قبل أن يعلق عليه بتحيز
يا سيدي بدل ما تركز معانا شوفلك شغلانة عدلة تاكل منها عيش بدل لفك اللي على الفاضي.
للحظة سكت عوض الله متحفظا على كلامه فقد ارتضى بالعمل نهارا في وظيفة بسيطة كساع بين المكاتب بالمنطقة الأزهرية بالإضافة لقيامه بإنهاء الناقص من الأوراق الرسمية لمن يعجز عن إنجازها في مقابل زهيد أما ليلا فكان يلازم المقرئين خلال إحيائهم الليالي الدينية إما في مناسبات عامة أو في سرادقات العزاء ليختتم يومه بالذهاب إلى المسجد لسؤال إمامه عما ينقص من أعمال ليؤديها هو برضا وحبور. لما طال صمته ظن شفيق أنه أصاب هدفه فتمادى في التقليل من شأنه ليرد عليه أخيرا بتريث
أنا بخدم عباد الله وطالما ربنا سخرني أقضي مصالح الناس ليه أتبطر على النعمة.
سخر منه بلمحة هازئة
يعني إنت عاوز تقنعني إن اللي إنت بتعمله ده بالكام مليم دول اسمه شغل
رد مبتسما وهو يرفع كفيه للسماء
فضل ونعمة من ربنا.
سأله بتطفل شبه سمج
طب ما سبقتش أخوك الصغير واتجوزت ليه!!
سادت في ملامحه لمحات من التوتر فهو لم يستطع الإقدام على هذه الخطوة حتى الآن لضيق ذات اليد ولإنفاقه كامل ما يجنيه على علاج والدته المكلف دون أن يكلف شقيقه الذي يصغره
بستة أعوام عناء هذه الأمور فاكتفى بتحمل الأعباء وحده ودون شكوى. نظر إليه وقال بعد تنهيدة خاڤتة
لسه ربنا مأذنش.
تدخل بدري متحدثا كنوع من التلطيف وهو يربت على ذراع شقيقه
سيبك منه يا عوض بكرة ربنا يرزقك ببنت الحلال اللي تستاهلك.
ثم الټفت ناظرا إلى شفيق ووبخه
إنت جاي تتطلع عقدك علينا يا جدع إنت
دمدم في حنق لم يخبت نهائيا
يا عم أنا معبي وشايل من العيلة دي ولولا معزتك عندي قسما بالله ما كنت عتبت البيت ده!!
قاطع ثرثرتهما حضور عقيلة وهي تحمل في يدها صينية نحاسية اللون مملوءة بكؤوس متشابهة الشكل انحنت قليلا تجاه بدري وقالت بودية حانية
اتفضل يا عريس الشربات.
التقط الكأس الزجاجي وهتف مجاملا
كتر خيرك يا حماتي من يد ما نعدمها.
نهض عوض قائما وأصر على أخذ الصينية منها بتهذيب
عنك إنتي يا حاجة مايصحش تلفي واحنا موجودين.
تحرجت من ذوقه الواضح وناولته إياها وهي تخبره
تسلم وتعيش يا ابني.
هز رأسه مبتسما وسار بين المدعوين يوزع الكؤوس المملوءة بهذا السائل الأحمر وهو يتلقى عبارات التهنئة والمباركة منهم.
قفزت من على مقعد المرآة لأكثر من مرة لتنظر إلى وجهها الذي صار أكثر نعومة وجاذبية بعدما تم إضفاء مساحيق التجميل عليه لتصبح شبه مستعدة للخروج ومقابلة خطيبها وعائلته. لم ترغب فردوس في الإفراط في وضع أحمر الشفاه واكتفت بما زين بشرتها لتقوم بقرص خديها لإعطائهما المزيد من الحمرة الدافئة. تأملت انعكاسها وتساءلت بتهلف
إيه رأيك
أصدقتها إجلال القول
زي القمر ياختي...
ثم قبلتها من أعلى رأسها وتابعت
مبروك يا دوسة وربنا يتمملك على خير.
شكرتها بامتنان ووجهها يزداد إشراقة بابتسامتها المتسعة
تسلمي يا إجلال عقبال ليلتك يا حبيبتي.
استحثها على التعجيل قائلة بمرح
مش معقول هنسيب العريس يستنى.
هزت رأسها تؤيدها ونهضت واقفة لتشد طرفي ثوبها لينساب على خصرها بأريحية شهقت فجأة مصډومة حينما انحنت عليها إجلال لتقرصها من ركبتيها فسألتها مدهوشة وهي ترمقها بهذه النظرة
بتعملي إيه
أجابتها ضاحكة ببشاشة
جايز أحصلك في جمعتك.
حملقت فيها بمحبة وهي ترد
يا رب يا حبيبتي نبقى في ليلة واحدة.
احتضنتها إجلال في سعادة لتتراجع بعدها عنها لتفسح لها المجال لتمر وتتجه إلى باب الغرفة. تفشى الاضطراب في وجدان فردوس وراحت تردد بلا صوت في توجس طفيف
يا رب اجعل في وشي القبول.
ما إن أطلت العروس بهيئتها البهية حتى اتجهت كافة الأنظار إليها لتنطلق بعدها الزغاريد والأصوات المهللة كتعبير عن فرحة الحاضرين بقدومها. مرقت فردوس بين جموع المهنئين بخجل وارتباك اختطفت نظرات سريعة نحو خطيبها الذي نهض واقفا ليستقبلها فرأته بقامته الطويلة وملامحه التي تنضح بالرجولة لحظتها شعرت وكأنها لا ترى سواه ابتسمت له في دلال مطعم بالحياء وأخفضت رأسها خجلا حين جلست مجاورة إياه. تسارعت دقات قلبها في تلهف فرح ثم شبكت يديها معا ووضعتهما في حجرها محاولة التغلب على ارتباكها الظاهر للجميع نظرت إلى جانبها حين خاطبتها والدتها وهي ټحتضنها بنظراتها الحانية
زي القمر ياخواتي.
ابتسمت على استحياء بينما أطلقت خالتها زغرودة عالية أتبعها قولها المهلل
النبي حارسك وصاينك.
قامت والدة العريس بتمرير علبة الشبكة على الحاضرين ليتأملوا ما ابتاعه ابنها لعروسه فقد اشترى لها سوارا من الذهب عيار 21 خاتما ودبلة. استحسنوا حسن اختيارهما فتكلمت والدة بدري طالبة منه بعد أن فرغ الجميع من رؤية العلبة
قوم يا عريس لبس عروستك شبكتها.
استقام واقفا وتناول من العلبة قطعة بعد أخرى ليضعها في يد عروسه ومن خلفه تصدح الأصوات المبتهجة صاحت أفكار في الحضور من النساء بعد أن وضعت فردوس الدبلة في يد خطيبها
ما تزعرطوا يا حبايب خلوا الفرحة تعم.
تقدم بعدئذ عوض
لتهنئة شقيقه واكتفى بالابتسام المهذب ل فردوس قبل أن يعود ليجلس بجوار شفيق وجده على حالته الناقمة فمازحه قائلا
اشرب شرباتك يا شفيق ده حتى الليلة مفترجة.
نظر له شزرا وهب واقفا ليرد بوجوم
أنا قايم.
ربنا يهديك لحالك.
عاد ليتابع ما يدور بالخطبة وهو يدعو الله في سريرته أن تنتهي الليلة على خير بل ويتم ذلك الأمر دون عقبات لينعم شقيقه بالهناء والسعادة مع زوجة طيبة يستحقها تكون له في النهاية نعم السكنى.
بهدوء حذر سحب من أسفل يده الورقة بعد أن زيلها بتوقيعه ليطالع بتركيز دقيق ما كتب على الورقة الأخرى ظل
فؤاد على هذه الوضعية الساكنة لعدة دقائق ريثما فرغ من مراجعة الملف بأكمله دون أن ينبس بكلمة أعطاه لابنه الواقف خلفه ثم نظر إليه من طرف عينه متسائلا
مافيش أخبار عن مهاب
أجاب بهزة رأسه
لأ.
سأله مستفهما وهو يطوي نظارته الطبية بعد أن نزعها من على أنفه
إنت بتكلمه
تنحنح قبل أن يجيبه
لما بسأل عليه بيقولولي إنه يا في عمليات يا إما بيحضر مؤتمر.
بدت علامات الضيق جلية على قسماته لوى ثغره معبرا عن انزعاجه
أنا مش فاهم هيفضل مقضيها سفر وغربة لحد إمتى!!
تجرأ سامي ليقول بتأدب ماكر
لو تسمح لي أقترح حاجة يا بابا.
أعطاه الأذن ليتكلم بأمره المقتضب
قول.
عبث برابطة عنقه وأخبره
إيه رأيك نجوزه ده هيخليه يستقر وآ...
لم يستسغ ما فاه به فقاطعه بازدراء
مش كنت فلحت إنت الأول!!
استاء من الاستخفاف به وتحقير مطلبه فرد بشيء من الھجوم
ما حضرتك رفضت البنت اللي كنت عاوزها.
صاح به بصرامة جعلته ينتفض
ودي أشكال تجيبهالي!!
ثم طرق بيده على سطح مكتبه يسأله في نبرة مليئة بالاتهام
إيه أصلها وفصلها
لاذ بالصمت عاجزا عن تبرير اختياره فوالده من هذا النوع المتعنت من البشر الذي لا يمنحك الفرصة للاختيار هو ينتقي الأفضل فقط ولا بديل عنه ليكون مجاورا له كما أنه لا يؤمن بالمشاعر أو بما يعرف بميل القلب وهواه. مرة ثانية انتفض سامي مذعورا ووالده ما زال يوبخه بصوته الخشن المرتفع وهو يطرق بيده على المكتب
واحدة اتعرفت عليها في حفلة خلاص بقت مناسبة...
رفع إصبعه أمام وجهه متابعا حديثه الصارم إليه
لازم اللي تناسب عيلة الجندي يكون معروف هي مين.
هز رأسه مبديا طاعته الكاملة له وهو يرد
حاضر.
لوح له بيده لينصرف دون أن ينبس بكلمة فانسحب مغادرا غرفة مكتبه وهو ينفث دخانا من أذنيه غمغم بلا صوت