رحلة اثام بقلم منال سالم
بابتسامة كانت مصحوبة بخفقة قوية في صدره رأى ممدوح ما طرأ عليه من تغيير غريب ومريب وراقبه دون تدخل عاد الطبيب ليكلمه
شوية وهننقل المدام بعد ما تفوق على أوضة خاصة بيها.
مرة ثانية لم يكترث لحديثه عنها وسأله مهاب مستعلما
الولد كويس
جاوبه في الحال
بخير بيتم فحصه جوا اطمن...
أحس مهاب بنوبة من الارتياح تتخلل أوصاله بينما الطبيب لا يزال يحادثه
ضن عليه بأي رد يظهر اهتمامه بها وانشغل بتفكيره في المولود الصغير الذي سيحمل اسمه ولقب عائلته. انتبه لرفيقه عندما هنأه وهو يربت على ظهره بخفة
مبروك يا صاحبي بقيت أب.
ثم تصنع الضحك واستأنف يسأله في لؤم
أكيد الباشا الكبير هيفرح لما يعرف بخبر عظيم زي ده ولا هو معندوش خبر بجوازك
لأ عرف ولاد الحلال خدموني الصراحة!
خيل إليه أنه يتهمه بنظرته تلك كاد أن يبرر له لولا أن خرجت إحدى الممرضات من الداخل وهي تحمل لفافة قماشية تقدمت بها نحو مهاب وهي تخاطبه
اتفضل يا دكتور ابن حضرتك.
وكأنه صعق بلمسة غير متوقعة من سلك يسري فيه تيار كهربي حينما امتدت ذراعاه وحمل عنها طفله البكري قربه من صدره ببطء وراح يتأمله بنظرات ملية مدهوشة حائرة غير مصدقة حقا أنه يضم بين يديه لحمه ودمه. راقبه ممدوح بسحنة مغتاظة طغى عليه غليل نفسه وأردف معلقا عليه في أسلوب شبه متهكم ليحقر من أهمية هذه اللحظة الفريدة التي يعايشها
للغرابة لم يبال مهاب بسخريته الظاهرة ولا باستخفافه بمسألة إنجاب زوجته لطفل في ولادة مبكرة بل كان منشغلا بما يحمل بقيت نظراته تحوي رضيعه دون غيره وأخبره بصدق عجيب
هتصدقني لو قولتلك إن دي لحظة ما تتعوضش.
وكأنه يزيد من اندلاع النيران بأعماقه بالإفصاح عن حقيقة مشاعره لذا استهان بها مدعيا ضحكه
سدد له نظرة مزدرية قبل أن يعقب عليه
تقتنع أو لأ مايهمنيش دلوقتي.
ابتلع إهانته البادية في نظرته إليه وسأله كنوع من المزاح
ماشي يا سيدي على كده ناوي تسميه إيه بقى
كان كمن صعد نجمه إلى السماء في طرفة عين بميلاده غير المرتب له خاصة إن علم والده أن حفيده البكري ذكرا فكم كان ينتظر لحظة كتلك وإن لم يكن راضيا عن زيجته! ابتسم في حبور ليترك لرضيعه سبابته ليلف أصابعه الضئيلة عليه ثم قال في شموخ
يتبع الفصل الثامن عشر
الفصل الثامن عشر الجزء الأول
أوس
بعد نجاح عملية الولادة القيصرية لها تم نقلها إلى غرفة منفردة لتقوم إحدى الممرضات برعايتها الرعاية اللازمة ريثما تستفيق كليا. كانت تهاني تشعر بآلام متفرقة في أنحاء عظام جسدها وذلك كردة فعل طبيعية جراء اصطدامها العڼيف والمتكرر على طول درجات السلم. تأوهت في صوت واهن وهي تحرك رأسها للجانبين على الوسادة تجمعت الدموع في عينيها وراح صوت أنينها يرتفع بالتدريج انحنت عليها الممرضة لتضبط غطاء شعرها البلاستيكي وسألتها إن كانت تريد شيئا فأخبرتها الأخيرة بسؤال وبهمس شبه مسموع
أجابتها في التو وبابتسامة مشرقة على محياها
أيوه ما شاء الله ابنك بخير.
خفق قلبها بقوة وردت بصدر ينهج
ابني!!
استغرقها الأمر لحظات معدودة لتخامر هذا الشعور الرائع بكونها قد أنجبت وصارت أما. بلهفة ممزوجة بالحماس هتفت تطلب منها رغم
انخفاض نبرتها
عاوزة أشوف ابني.
ربتت الممرضة بحنو على كتفها قائلة بنفس الوجه الباسم
اطمني هيجيلك هنا كمان شوية.
أغمضت تهاني عينيها لهنيهة مستمتعة بذلك الإحساس الخلاب لتظل تردد على لسانها بتنهيدة متشوقة
ابني.
راودتها ذكرى مشوشة للحظة سقوطها من على الدرج فتنفست الصعداء لكونها قد مرت وانقضت على خير تنبهت لصوت الباب وهو يفتح لتجد أحد الأطباء يلج منه مخاطبا إياها بشيء من الودية
حمدلله على السلامة يا دكتورة.
نظرت تجاهه وردت وهي تحاول الابتسام
الله يسلمك.
تفقد اللوح المعدني المدون عليه آخر الملحوظات المتعلقة بشأنها والمتدلي من على طرف فراشها ثم سألها مهتما
حاسة بإيه
تحسست جبينها وأخبرته بإيجاز
تعبانة.
هز رأسه في تفهم وقال
متقلقيش شوية وهترتاحي.
اقترب منها ليفحصها عن قرب ثم أضاف
أنا موصي الممرضة وهي هتقوم باللازم معاكي.
استمر في فحص أنبوب المحلول الموصول برسغها وهو يخاطبها
بصراحة أنا مكونتش متخيل إن رغم صعوبة وضع العملية إنها تعدي على خير.
ضيقت عيناها ناحيتها فابتسم أكثر وقال
إنتي والمولود كويسين.
عند ذكر رضيعها صاحت تسأله في لهفة
عاوزة أشوف ابني هو فين
أجابها ببساطة وهو يكتف ساعديه أمام صدره
مع دكتور مهاب باباه!
عندئذ انتابها الفزع هربت الډماء من وجهها المتعب وهمهمت في صوت متقطع مستشعرة تلاحق دقات قلبها
مهاب!!
اندهش للتغير الذي طرأ على ملامحها وبدا متعجبا أكثر حين سألته في صوت خائڤ للغاية
هو فين
لم يعرف بماذا يجيب فشأنهما معا لا يخصه لذا فضل أن يتحدث بحيادية فتكلم في هدوء
أنا عاوزك تهتمي بصحتك بجانب اهتمامك بالمولود ده چرح خطېر محتاج وقت عقبال ما يلم وإنتي فاهمة طبعا يا دكتورة.
كان الشائع في هذه الفترة الزمنية وضع النساء لحملهن بصورة طبيعية فكان من النادر اللجوء للولادة القيصرية إلا في الحالات القصوى التي تتطلب ذلك وبالتالي اضطر الطبيب أن يزيد من الاستفاضة في إسداء النصح لها تجنبا لأي مضاعفات قد تنعكس بالسلب عليها فأكمل على نفس النهج
ويا ريت تظبطي مع دكتورة نسا بحيث تاخدي وسيلة قبل ما تفكري تحملي تاني.
تجاهلت كل ما قاله وهتفت ترجوه
بنظرتها قبل نبرتها
أنا.. عاوزة .. ابني.
أومأ برأسه مرددا وهو يهم بالتحرك مبتعدا عن سريرها الطبي
متقلقيش.
شيعته بنظراتها اللهفى إلى أن خرج من غرفتها وهي تتحرق بشدة لرؤية وليدها تنفست بعمق قبل أن تحرر الهواء من صدرها في هيئة زفير بطيء تعلقت عيناها بسقف الغرفة وأخذت تحدث نفسها في قليل من الراحة
ابني كويس الحمدلله.
طال انتظار وصول رضيعها إليها وراح شعور الاطمئنان الذي غمرها يتلاشى ليحل كبديل عنه شعور الخۏف والاضطراب. تضاعفت مخاوفها بصورة مرعبة عندما وجدت زوجها يقف عن عتبة الباب يراقبها بنظرات قاسېة للغاية جعلتها ترتجف في رقدتها حاولت الاعتدال فاجتاحتها موجة من الألم لكنها لم تتفوق على رهبتها منه تمتمت باسمه
في صوت مرتعش
مهاب!
تقدم مختالا في خطواته ناحيتها دون أن ينطق بشيء فقط عيناه تحومان عليها كأنما يتعمد استثارة أعصابها وزيادة ارتياعها منه. تسارعت نبضات قلبها وسألته في صوت لاهج ما زال مرتجفا
فين ابني
وقف أمام فراشها يطالعها من علياه بنظرات دونية احتقارية تحمل الإهانة في طياتها أجابها مقتضبا في الكلام بعد صمت بدا لها ممتدا وكأنه لا ينتهي أبدا
موجود.
نظرته إليها لم تكن مريحة بالمرة شعرت من خلال تأملها المړتعب لملامحه أنه يكمن لها شيئا وزاد ذلك الهاجس قوة عندما استطرد قائلا من جديد
بس الأول في حاجة لازم أقولهالك.
هزت رأسها كأنما تسأله دون كلام فأخبرها باسما في تشف أصابها بالصدمة العظيمة
إنتي طالق!
جحظت عيناها في ذهول مرتاع وغمغمت بلا تصديق
إيه
تابع معلقا في لذة مغيظة لها وممتعة له
مش ده اللي كان نفسك فيه من زمان.
شعرت حينها وكأن أنفاسها انقطعت بتوقف عضلة قلبها بظلام تام ساد ما حولها. اخترقت كلماته المسمۏمة طبلتي أذنيها وهو يواصل إخبارها ببرود وقسۏة
وجه الوقت اللي أقولك فيه أنا مابقتش عاوزك.
كانت تنظر إليه كالمۏتى الصدمة المفاجئة جعلت ذهنها عاجزا عن التفكير ورغم هذا استمر يفرغ ما في جعبته هاتفا بنبرة هازئة متهكمة بشدة
روحي اثبتي نفسك كدكتورة مالكيش مثال وانجحي إنتي حرة.
بدأ عقلها يعمل من جديد ليوضح لها فداحة قراره وأكد لها ذلك بقوله الحاسم
بس ابني مالكيش دعوة بيه وأنا هعرف أربيه بمعرفتي.
آنئذ خرجت عن طور جمودها اللحظي لتفجر صاړخة فيه متجاوزة في إحساسها بالقهر والعجز أي شعور بالألم الجسدي
حرام عليك يا مهاب إنت بتعمل فيا كده ليه
انتصب في وقفته وقال وهو يحدجها بنظرة مزدرية
قولتلك كل حاجة بتتعمل بمزاجي.
سدد لها نظرة احتقارية جعلت داخلها يتفتت وقلبها ېتمزق إربا وهو يتابع
وإنتي ماتلزمنيش دلوقتي.
إعلانه بطرده من جنته المزعومة جعل كيانها يتبدل كليا انتفضت من رقدتها لتمد ذراعها نحو يده أمسكت بكفه تشده منه متوسلة إياه في حړقة
أبوس إيدك ماتحرمنيش من ابني.
استجدت فيه عاطفة إنسانية غير موجودة به من الأساس فلم يرأف بها ولم يكترث لشأنها بل نفض يدها بقوة كأنه ينفر من لمستها
المقززة بكت في قهر وهي ترى منه هذه المعاملة المتجافية. انسحق قلبها بين ضلوعها عندما رأته يستدير ليتجه نحو باب الغرفة تمهيدا لمغادرته أحست بناقوس الخطړ يدق إن
أنا هعيش خدامة تحت رجلك بس خليني جمب ابني.
أمام إحساس الأمومة ورائحة الصغار الملائكية يهون كل شيء وأي شيء! بيديها المرتعشتين تعلقت بساقه وظلت تتوسله في انكسار
مش هعصالك أمر مهما كان اللي هتؤمرني بيه هنفذه مهما كان.
ثم أحنت رأسها بطواعية كاملة كأنما تريد تقبيل حذائه وتابعت في ألم شديد
أبوس رجلك ماتبعدهوش عني.
ماظنش إنك هتستحملي إنتي واحدة عندك طموح وآ...
قاطعته رافعة بصرها إليه قبل أن يكمل جملته للنهاية مؤكدة لها عن انصياع صريح له
لأ جربني ولو عصيتك طلقني تاني.
مط فمه قليلا فواصلت توسلها المهين
بس ماتحرمنيش من ابني.
كانت لترضى بأي احتمال طالما أنه لا يتضمن حرمانها من رضيعها ذل الخدمة أهون عليها بكثير من ۏجع الفراق! تركها مهاب تلتاع بشوقها وأنينها معقبا في النهاية بعدما نفض ساقه ليتخلص من قبضتيها
تمام يا دكتورة هشوف.
زحفت على يديها في عجز واضح نحو الخارج وصوتها الباكي يرجوه في حړقة أشد
مهاب رجعلي ابني خليني أطل عليه.
لم يلتفت إليها بل انصرف في نشوة مريضة لترتكن بظهرها على الجدار المجاور لغرفتها وهي تنوح في حسرة متعاظمة
آه يا ۏجع قلبي عليك يا ضنايا!
إنتي هتطلعي كده
سألتها مندهشة وهي تخفض بصرها لتتأمل سريعا ثوبها المنزلي الفضفاض القديم
وذي اللون البرتقالي
ماله شكلي
بفظاظة واضحة صارحتها
يقطع الخميرة من البيت.
عبست كليا وانطفأت الفرحة في عينيها بل إنها كادت تبكي تأثرا من كلامها اللاذع لكن خالتها لم تعبأ بما تفوهت به واستمرت في ټعنيفها
أومال احنا كنا بنتكلم فيه إيه من صباحية ربنا
كادت تبرر موقفها بأنها أمضت النهار بطوله في تنظيف المنزل وغسل الثياب والقيام بكافة الأعمال العالقة تخفيفا من العبء الملقى على كتفي والدتها لكن الأخيرة لم تهتم بمجهودها المستهلك وهتفت تأمرها
روحي الأوضة خديلك قميص عدل من بتوع تهاني البسيه.
الإتيان على ذكر نوعية ثياب شقيقتها نشط ذاكرتها باهتمامها بانتقاء الجيد من الأقمشة والمواكب لما يسمى بصيحات
بس آ...
في التو منعتها من الاحتجاج بإصرارها الحاسم
من غير بسبسة عاوزين الجدع مايشوفش غيرك.
مع سيل الإهانات المتواصل فقدت حماسها لمواصلة الأمر فردت بإحباط
يا خالتي أنا ماليش نفس.
زمت هاتفة بها بغيظ مكتوم
أومال هيبقالك إمتى لما يرجعلك معلق في دراعه واحدة تانية تفرسك
ارتفع