الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

رحلة اثام بقلم منال سالم

انت في الصفحة 39 من 79 صفحات

موقع أيام نيوز


حاجباها للأعلى فلكزتها أفكار بقبضتها المضمومة في ذراعها وحذرتها
مايبقاش مخك ضلم.
لم تبد راضية عما تسعى لإجبارها عليه فتابعت خالتها إعطاء تعليماتها عليها
ماتضيعيش الوقت أمك هتفضل معاه وإنتي البسي حاجة مدندشة من هدوم أختك الجديدة.
ردت على مضض وكأنها تستصعب تنفيذ ذلك
طيب.
قبل أن تغادر استوقفتها مرة ثانية آمرة إياها

استني كده وريني خدودك!!
قطبت جبينها متسائلة في تحير
مالهم دول كمان
أمسكت بهما بأصابعها وراحت تضغط عليهما بشكل أوجعها وهي توضح لها ما تقوم به
خليني أقرصهم عشان يبان فيهم الدموية كده.
تأوهت من الألم ورجتها
بالراحة يا خالتي.
تجاهلت شكواها واستمرت في جذب خديها بقساوة طفيفة لتكسبهما هذه الحمرة الشديدة ثم تصعبت لتدمدم بعدها في سخط
بلا خيبة!
ابتسامة حقيقية صادقة نابعة من أعماق قلبها ظهرت على صفحة وجهها الباكي عندما عاد إليها بعد وقت طويل وهو يحمل رضيعها كانت قد فقدت الأمل في رجوعه حقا شعرت وكأن روحها قد ردت إليها حينما رأته أقبلت عليه بذراعين مفتوحتين لتضمه في لهفة وشوق متناسية ما بها من أوجاع وكأن في ضمته البلسم الشافي لچراحها الغائرة هانت كل المصاعب مع احتضانها له. قبلت تهاني وليدها من كفه الضئيل والدموع تطفر بغزارة من طرفيها كلمته في صوت رقيق رغم اختلاطه بالبكاء
ابني حبيبي.
وجوده معها وبين أحضانها جعلها تقبل وترتضي بأي مهانة مهلكة لها في مقابل عدم خسارته راحت تهمس له في أذنه برجاء شديد
ربنا ما يحرمني منك أبدا.
كفكفت دمعها بظهر كفها وتابعت
فداك كل حاجة يا حبيبي المهم تفضل في حضڼي.
ابتسامتها المشوبة بالبكاء ضاعت فجأة وحل الفزع على قسماتها عندما حاډثها مهاب فجأة
احتمال يجوا يحققوا معاكي.
سألته بقلب ازدادت وتيرة دقاته وهي تضم رضيعها إلى صدرها في خوف كما لو كانت تخشى من أخذه قسرا منها
في إيه
أجاب بنبرة هادئة
بخصوص وقوعك من على السلم.
في البداية تطلعت إليه ببلاهة وكأنها تحاول استحضار تفاصيل مشاجرتها الأخيرة معه لم تضع الوقت في الصمت وقالت من تلقاء نفسها
أنا دوخت ووقعت من نفسي.. إنت ملكش دخل.
نظر إليها مبتسما قليلا واستحسنت ردها
كويس.
أشاحت بنظراتها بعيدا عنه لتعاود التحديق في الوجه النائم هامسة 
حبيبي.
مجددا تكلم مهاب ليشتت نظراتها عن الرضيع
صحيح أنا خلاص قررت أسمي ابني أوس!
كررت الاسم باندهاش غريب
أوس!
قال متباهيا بحسن اختياره
أيوه حاجة مختلفة وتليق بيه.
تأملته تهاني بتعجب فواصل توضيحه المملوء بالزهو
أوس الجندي اسم يليق بحفيد الباشا فؤاد الجندي!
تبعثرت خيوط الكلمات وتفرقت أثناء حديثه مع
حماته عندما رأى زوجته تطل من الداخل وهي متأنقة في ثوب ضيق من اللون الأحمر له فتحة صدر متسعة يكاد ما يبرز أسفلها من مقومات مغرية يعلن
عن وجوده المشوق. بدا متأهبا في جلسته وعجز عن إبعاد نظراته الفضولية عنها فقد كان غير معتاد على رؤيتها هكذا تدلى فكه للأسفل باستغراب وراح يتأملها مليا ليتسلل في حرج واضح من تحديقه الذي طال بها عندما هتفت به أفكار في مكر وابتسامتها العابثة تتراقص على شفتيها
امسك الصينية عن مراتك يا عوض ده بيتك إنت مش غريب.
نهض من موضع جلوسه متجها إليها ليحمل عنها صينية الشاي قائلا وهو مطرق الرأس
عنك.
ردت عليه فردوس باقتضاب
تسلم
اختطف نظرة سريعة نحو نتوءاتها الشهية فانتفضت به حواسه الكامنة تنحنح في حرج وباعد عينيه عنها ليعاود الجلوس في مكانه محاولا قدر المستطاع تحاشي النظر ناحيتها وتوجيه الحديث إلى عقيلة لئلا يبدو اشتهائه للاقتراب منها واضحا. استمرت أفكار في اللعب على وتيرة تحفيز الزوجين فقالت مدعية وجود الألم بظهرها
يستر عرضك يا

دوسة اعدلي طرف السجادة لأحسن مش قادرة أوطي.
حملقت فيها فردوس بغرابة وتعابيرها تعكس حيرة جلية وكأنها لا تفهم مقصدها فأشارت لها خالتها بعينيها نحو البقعة القريبة من زوجها لتظهر تأثيرها عليه كأنثى عند وجودها في محيطه. أكملت أفكار جملتها مزيدة في توضيحها
بدل ما حد يتكعبل فيها.
حاضر.
قالتها فردوس وهي تسير إلى النقطة المشار إليها من وجهة نظرها كان البساط مفرودا لا يحتاج لإعادة ترتيب ومع ذلك مالت بجسدها مدعية انشغالها بتسوية أطرافه وهي غير مدركة أن ما تقوم به من حركات عادية تعمل كمؤثرات محفزة لمشاعر زوجها المكبوتة. اعتدلت في وقفتها فأمرتها عقيلة وهي تشير بيدها
شوفي جوزك لو ناقصة حاجة هتيهاله.
قال معتذرا بمجاملة مهذبة وقد أطرق رأسه قليلا
لأ كده فضل ونعمة كتر خيركم.
ثم الټفت ناظرا إلى زوجته التي بدت مغرية قبل أن يخاطبها في صوت جاهد ليجعله جادا
مش يالا بينا بقى عشان نسيب الجماعة يرتاحوا.
هزت رأسها موافقة فنهض قائما ليضيف
هستناكي تحت عقبال ما تغيري هدومك.
قالت وهي تشرع في السير
طيب.
لكنها توقفت عندما اقترحت خالتها بخبث ونظرة عبثية تلمع في عينيها
مالوش لازمة تعطلي جوزك حطي عليكي العباية.
همت فردوس بقول شيء محتج يعبر عن انزعاجها من محاولة فرض وجودها عليه بهذا الشكل السافر لكنها ابتلعت الأحرف في جوفها عندما منحتها خالتها هذه النظرة المحذرة لتضطر مرغمة على إطاعتها في صمت بينما رددت والدتها في سرها بتنهيدة راجية
ربنا يجعل في وشك القبول والرضا يا بنتي !!!
يتبع الفصل الثامن عشر الجزء الثاني
الفصل الثامن عشر الجزء الثاني
أوس
أثناء سيرها معه كانت ساهمة تمشي مدفوعة بتوجيهه وبشكل آلي عبر الطرقات إلى حيث يقطنان دار في رأسها عشرات الأفكار ورسمت العديد من السيناريوهات لما ستكون عليه ليلتهما بعد كل ذلك المجهود المبذول من قبل خالتها لتحلية صورتها في عينيه انتبهت فردوس لزوجها وانتفضت كالملسوعة فجأة عندما تكلم في نبرة معاتبة
إنتي مش معايا خالص!!
سألته بحرج وهي ترمش بعينيها
هو إنت كنت بتقول حاجة
كرر عليها سؤاله مبتسما في بساطة
كنت بسألك ناقصك حاجة نجيبها في سكتنا
هزت رأسها قائلة
لأ ماظنش 
عاد الصمت يخيم بينهما من جديد فسعى عوض لفتح سبل الكلام مجددا فقال بشيء من الصدق وكأنه يعبر لها عن مشاعره المتأثرة بها
بس تعرفي النهاردة كان شكلك حلو 
تفاجأت بمدحه غير المتوقع فسكتت للحظة تحاول استجماع جملة ملائمة فقالت كالبلهاء
كتر خيرك 
تفهم التردد الظاهر عليها وأكد لها باهتمام متزايد
أنا مش بجاملك دي الحقيقة 
على عكسه كانت متبلدة جامدة تجد صعوبة في مجاراة طريقته السلسة في البوح بما يناوش القلب فاكتفت بالصمت وتحاشت النظر ناحيته لتتطلع للأمام ممعنة النظر في الحواجز المعدنية التي تسد مقدمة الطريق هتفت متسائلة في استغراب حائر
هو الشارع مقفول ولا إيه
دقق النظر هو الآخر في الناصية المزدحمة بعشرات البشر وقال
مش عارف بس أول مرة يحطوها هنا يره
ده في زحمة ودوشة قدام 
توجس قلبها خيفة من حدوث مكروه ما فرددت بتلقائية
ربنا يستر 
أشار لها بيده لتتوقف قائلا بلهجة شبه آمرة
استني كده أما أسأل 
استجابته له هاتفة في إيجاز
طيب 
سارع عوض في خطواته بعدما تركها واقفة في مكان غير مزدحم ليستطلع بنفسه الأمر آملا ألا يكون خلف ذلك التجمهر کاړثة مفجعة 
بدأ قلبها يدق بسرعة كعادته كلما ولج إلى الغرفة ارتاعت فرائصها ظنا منها أنه قد جاء لأخذ رضيعها قسرا شددت من ضمھ له ونظرت إلى مهاب بقلق معكوس بقوة على محياها ازدادت مخاوفه مع صمته المدروس فما كان منها إلا أن سألته بصوت ما زال مرتعشا
هتردني لعصمتك تاني
أنا جيت في وقت مش مناسب ولا إيه
احتفظ مهاب بصمته وصاحبه بنظراته الغامضة وهو لا يزال يتقدم للأمام في حين تابع ممدوح كلامه قائلا
حبيت أطمن على الدكتورة 
ثم وجه حديثه إليها متسائلا باهتمام
إيه الأخبار
توترت تهاني من وجوده وتضاعفت دقاتها فإن كانت مشاعرها قد انجذبت إليه بسبب لطافته ووديته معها إلا أنها لن تضحي بقطعة منها لأجل أهواء وقتية نتجت جراء الوحدة والشعور بالفراغ ارتجفت في رجفتها عندما أجاب مهاب بنبرة موحية
ماتقلقش عليها 
حينئذ تكلمت من فورها وبصورة رسمية استغربها
شكرا يا دكتور ممدوح أنا كويسة 
اندهش الأخير من الجفاء المريب الذي تظهره ناحيته وكأنها راحت تعيد بطواعية وضع الحواجز بينهما كان فطنا للدرجة التي جعلته يخمن انصياعها الواضح فقال مشيرا بيده
الدكتور برا قالي إن في حد جاي يسألها عن تفاصيل الحاډثة 
أخبرته دون أن تفكر للحظة كما لو كان الجواب معدا بشكل مسبق
ده قضاء وقدر والحمدلله إنه اكتبلي أنا وابني عمر جديد وده اللي يهمني دلوقتي 
مط فمه في إعجاب ثم حول نظراته تجاه مهاب الذي كان يحدجه بنظرته المتباهية اقترب بعدئذ منه مال ناحيته وهمس له
برافو عرفت تطلع من المشكلة دي كمان من غير خساير 
هز مهاب رأسه في نشوة بدا متفاخرا بتحقيق نصرا جديدا في معركة لم يبذل فيها مجهودا استكمل ممدوح الناقص من جملته فاستطرد بسخرية محسوسة في نبرته
وبعيل كمان 
صحح له بصرامة رغم خفوت صوته
اسمه أوس يا
ريت
تحفظه 
تلقائيا اتجه ممدوح بنظراته القاتمة تجاه الرضيع وعلق بإيجاز غامض
أكيد 
ربت مهاب على جانب ذراعه وهو شبه يطرده بوقاحة
بيتهيألي وجودك مالوش لازمة 
أثار الغبار التي سادت في الأرجاء جعلت الرؤية غير واضحة مشوشة والسعال كان منتشرا بين المتواجدين حاول عوض اختراق صفوف البشر المجتمعين بكثافة ليصل إلى المقدمة التقطت أذناه عبارات مبهمة عن تواجد مكثف لعناصر الشرطة مع رجال الإسعاف وسيارات الإطفاء ما إن وصل إلى آخر نقطة كان مسموحا فيها للحضور بالوقوف حتى استطاع فهم ما حدث رأى العقار الذي يقطن به وقد انهار تماما منذ ساعات على حسب ما سمع ليخلف العديد من الضحايا العالقين أسفل أطنان من الركام الخرساني تدلى فكه للأسفل وحملق بعينين متسعتين في ړعب للأطلال ي راحوا 
الټفت للجانب الآخر عندما خاطبه أحد الجيران
ده في ناس اتدفنت بالحيا هنا!
أضاف ثالث من ورائه
ده إنت ربنا كتبلك النجاة 
رويدا رويدا تدارك عقله ما حدث وأدرك حقا أن الدار التي كانت تأويه لم تعد موجودة اختفت مع كل ما يخص عائلته وزوجته من متعلقات شخصية وذكريات أسرية كان عوض في هذا الموقف تحديدا قليل الحيلة لا يملك زمام نفسه فما كان منه إلا أن ردد مستسلما للواقع المرير
لا حول ولا قوة إلا بالله!
هتف أحد المتواجدين من جديد
احمد ربنا إنك كنت برا 
استدار تجاهه متسائلا في تخبط عظيم
ده حصل إمتى وإزاي
رد عليه الرجل وهو يحك مقدمة رأسه
محدش عارف بالظبط بس آ 
قبل أن يتم جملته قاطعه صوتا صارما لأحد أفراد الشرطة ينهر به الجميع
يا جدعان ارجعوا لورا خلونا نشوف شغلنا 
تراجع مع من تراجع للخلف بعيدا عما كان بيته ولسانه يردد بتحسر موجوع
لطفك يا رب هتصرف إزاي دلوقتي
نظر إليه الجيران بتعاطف وشفقة وعلق عليه أحدهم
ليه حق الراجل يكلم نفسه كان زمانه مع الأموات!
انقاد بلا وعي إلى خارج الزحام وهو مشوش الذهن تماما فاقدا لقدرته على التفكير السليم وكيف له أن يفعل وهو في وسط کاړثة عظيمة لم تكن موضوعة في الحسبان! كانت فردوس لا تزال تنتظره عند البقعة التي تركها فيها ضجرت من الوقوف بمفردها ومع ذلك لم تتجرأ لمخالفة أوامره لمحته يجتاز الحاجز وهو باهت الملامح مشتت النظرات أقبلت عليه تسأله في
 

38  39  40 

انت في الصفحة 39 من 79 صفحات